الروهينغا .. ‬فصول‭ ‬مأسـاة‭ ‬لم‭ ‬ترو‭ ‬بعد‬‬‬‬‬‬‬‬‬

2021-08-15

هذه أول مهمة لي في عمق جنوب أسيا لتغطية أحداث الروهينغا. استقلينا طائرة إلى مدينة” شيتاغونغ” في بنغلاديش بين كتل ضخمة من السحاب وتولد لدي شعور أن هذه المهمة ستكون صعبة ومختلفة عن ما قمت به من تغطيات من قبل .لأن أزمة تهجير أقلية الروهينغا من ميانمار قضية في غاية التعقيد تحتاج إلى زوايا معالجة مختلفة حتى تنقل عمق المأساة وفداحة التهجير ومعاناة الذين غادروا ديارهم بليل تاركين وراءهم كل شيء.

خرجنا من مطار “شيتاغونغ” متوجهين إلى الساحل المطل على خليج البنغال في مدينة” كوكس بازار” أشهر مدن بلاد البنغال الساحلية، حيث يقطن اللاجئون الروهينغا. أربع ساعات ونصف قضيناها على الطرقات الضيقة والملتوية صعودا وهبوطا، ويلح علينا التساؤل كيف سنعكس هول هذه الأزمة للمشاهد العربي وأي قصص إنسانية سنحكيها للناس؟

تصوّرت أننا سنجدهم في المخيمات فحسب، لكن أغلبية منهم كانوا يعيشون تحت قبة السماء في ظروف مناخية سيئة، كانت الأشجار بيوتهم، وما في البحر هو قوتهم شبه الوحيد.

تفاصيل غابت عن تقارير وسائل الإعلام

وجدنا أول تجمع للروهينغا على بعد عشرات الكيلومترات من نهر ناف الفاصل بين بنغلاديش ومايانمار. اقتربنا منهم وبدت تتكشف لنا معالم المأساة. دخلنا عليهم وأبصارهم تتابعنا بكثير من الخوف والخشية، خوف الغريب الحائر وخشية المستضعف الواهن في أن يُبطش به من جديد. فرصدنا أسرا ينهشها الجوع إلا من قليل أسماك وشحا في الماء الصالح للشرب ودواء يكاد يكون منعدما وسط جموعهم الضخمة حيث لا مستشفيات تستقبلهم ولا بيدهم مال لتلبية حاجتهم من الدواء وكانوا يلجؤون لما حولهم في الطبيعة من أعشاب وغيرها لمداوة مرضاهم عسى تخفف أوجاعهم كما لاحظنا قبورا على مرمى منهم قالوا إنها لذويهم قضوا نحبهم تحت وقع صدمة التهجير ومعاناتهم الكبيرة. حتى المدافن لم تقبل جنائزهم فدفنوها في المكان الذي يسكنون، كنت أتساءل عن نوع الجحيم والألم الذي عاشوه ويعيشونه الآن، فحكاياتهم بدت أقرب إلى قصص الخيال.

فارقنا جمعهم وفي نفوسنا وجع عظيم. توجهنا إلى أكبر مخيم لهم يقطنه نحو نصف مليون لاجئ، وهناك عايشنا فصولا من معاناة أخرى، خيم مكدّسة، وأكواخ خشبية متراصة لا تكاد تميز فيها مسكنا عن الآخر، أزقة ضيقة تغص بالعابرين، وأوجه نحتت المعاناة فيها قسوة بائنة، وعيون مذهولة تحدثك عن ما شاهدته، تُهنا في متاهات حالهم وأزقتهم، لم نكن نعرف من أين نبدأ قصتنا وماذا سنقول؟ وعن مَن؟ وعن أي شيء؟، فكل شيء حولنا مأساوي ولن تستطيع العدسة استيعابه، فالمشاهد وراءها ألف قصة وقصة، والصورة لا تكفي لشرح عذاباتهم.

مأساة الروهينجا التي لم تُرو بعد

نحو خمس ساعات قضيناها في المخيم المكتظ بالمآسي، كانت بحجم السنين، روايات الناس، عيونهم المتوسلة، خطواتهم الواهنة الحذرة، مخادعهم المتهالكة، كلها تحكي عن وحشية قاسية ذاقوها وشتت شملهم وحياتهم الوادعة ولا تزال تلتهم كل يوم ذاكرتهم وتنهش أرواحهم.

هناك الكثير من القصص التي لم تحكى بعد، والكثير الذي لم يقال في مأساة الروهينغا والذي فشلت عدسات الكاميرات أن تنقل نبضه للناس، فهناك قصص التشرد والموت والمعاناة ووباء كورونا وانعدام الخدمات وقلة المساعدات وغض الطرف من المجتمع الدولي لهذه المأساة، إلا من بضع منظمات تعمل في مجال العمل الإنساني لكن حجم المأساة أكبر من طاقتها ولابد من تضافر الجهود لإنقاذ هذا الشعب الذي أصبح هائما في الأرض بلا هوية.

بقلم محمد الطيب: صحفي بمركز الحريات العامة وحقوق الإنسان- شبكة الجزيرة (بتصرف).
ملاحظة: المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

المقال منشور في العدد 25 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.