لقد رغَّب ديننا الحنيف في كل ما من شأنه أن يقوي أواصر الأخوة بين المسلمين، وجعله من أسمى الغايات التي يُرشد إليه ويسعى إلى تحقيقه. وتفطير الصائمين من الأمور التي وردت أحاديث كثيرة في الترغيب بالقيام بها ما يحث المسلم على المحافظة عليها. فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”. (رواه الترمذي وغيره، وقال الترمذي حسن صحيح).
متى يحصل ثواب تفطير الصائمين؟
لكن العلماء اختلفوا فيما يحصل به تفطير الصائم. فمنهم من قال إنه يحصل بأدنى شيء ولو بتمرة أو جرعة من ماء أو مذقة من لبن.
فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: “من فطَّر صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء”. قلنا: يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من ماء. ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة”. (رواه البيهقي وابن خزيمة في صحيحه. وأبو الشيخ وابن حبان).
فإذا أراد الشخص الحصول على أجر تفطير الصائم فلا بد أن يكون أول ما يتناوله الصائم من طعامه أو شرابه حتى يصدق عليه أنه فطره.
وذهب علماء آخرون إلى القول إن هذا الثواب لا يحصل إلا لمن أشبع الصائم. لأن إشباعه هو الذي يحصل به المقصود من تقوية على العبادة واستغنائه في تلك الليلة، وهذا القول هو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقد رجّح الشيخ العثيمين رحمه الله القول الأول، فقال في شرح رياض الصالحين: (واختلف العلماء في معنى من فطر صائماً فقيل: إن المراد من فطره على أدنى ما يفطر به الصائم ولو بتمرة. وقال بعض العلماء: المراد بتفطيره أن يشبعه لأن هذا هو الذي ينفع الصائم طول ليلة وربما يستغني به عن السحور. ولكن ظاهر الحديث أن الإنسان لو فطر صائماً ولو بتمرة واحدة فإنه له مثل أجره. ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إفطار الصائمين بقدر المستطاع لا سيما مع حاجة الصائمين وفقرهم أو حاجتهم لكونهم لا يجدون من يقوم بتجهيز الفطور لهم).
ولذلك ينبغي على المسلم إذا أراد الحرص على كمال الأجر في تفطير الصائمين أن يكون أول من يقدم لهم ما يفطرون عليه. ويمكنه أن يذهب المسجد الذي يصلي فيه الناس صلاة المغرب فيصلي معهم ويكون أول من يفطرهم.
تفطير الصائمين الأغنياء
يحصل الثواب إن شاء الله بإفطار الصائم سواء كان فقيراً أو غني لشمول الحديث “من فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً”.
وكلمة (صائماً) الواردة في الحديث نكرة في سياق الشرط، فتكون من صيغ العموم فتشمل الفقراء والأغنياء.
لكن يبقى الأفضل تقديم الفقير الأشد حاجة ولو كان من غير القرابة. فالأفضل أن تقدم تفطير المحتاجين إذا ولو كانوا غرباء.
