كيف لوجبة فطور أن تحد من التسرب المدرسي؟

2018-12-03

المكان يشبه المدرسة! لكن ليس ثمة ما يوحي بحراكٍ هناك رغم أن العام الدراسي كان في ذروته.

 التلاميذ يتسللون خلسةً بلا عودة … إنها حالات التسرب المدرسي المتكررة بينهم .. الصمت يخيم على المكان. وشبح “الجوع” يُحاصر مدرسة “أيد أبوزيد” الأساسية بالريف الجنوبي لمحلية أم درمان على بعد ثلاثة عشر كيلومتراً غربي العاصمة السودانية الخرطوم.

أطفال صغار في الصف الأول والثاني والثالث وبقية الفصول الثمانية ممن لاتتجاوز أعمار بعضهم ست سنوات. يُمضون يومهم الدراسي كاملاً دون تناول وجبة الإفطار إلى حين عودتهم إلى بيوتهم. إذ يتاسبقون – بعد وصولهم – إلى شرب الماء واقتسام ماتخبئُه حقائبهم الصغيرة من خبز جاف.

البؤس والفقر يسكُن كل زاويةٍ هناك.. والمنطقة تسجل أعلى نسبة تسرب من التعليم .

عدد التلاميذ في تناقص مستمر. و”الطابور” الصباحي يتقاصر ويتقزم والسبب معلوم لإدارة المدرسة وقبلها وزارة التربية والتعليم السودانية التي أقرت في إحصائية رسمية بأن هناك ما يقارب ستة ملايين طفل لا يمتلك ثمن وجبة الإفطار في المدارس بمختلف ولايات السودان.

كما تشير ذات الإحصاءات بأن لولاية الخرطوم – الدرارس الطرفية تحديداً – نصيب الأسد من ذلك.

وعقب نشر هذه الإحصائية الصادمة الخاصة تخص التسرب المدرسي، تنادت العديد من المنظمات المحلية لجمع التبرعات لإعداد وجبات إفطار بسيطة لهؤلاء التلاميذ.

نتائج باهرة بعد إطلاق مشروع “إفطار تلميذ”

إلا أنها لم تفلح إلا في تغطية مدراس محدودة. إلى أن بادرت قطر الخيرية بالتنسيق مع منظمة “مجددون” السودانية “الجهة المنفذة” ضمن برامجها الإنسانية في السودان مشروع “إفطار تلميذ”. وكان ذلك خلال العام الدراسي 2016 – 2017 تحت شعار “مجتمع لا يجوع فيه الصغار”. من أجل تشجيع التلاميذ على الحضور ومواصلة الدراسة وزيادة معدل تحصيلهم الدراسي و تحسين صحتهم.  ورفع قدرتهم على الاستيعاب ومعالجة ظاهرة التسرب المدرسي.

وقد استهدف  المشروع ست عشرة مدرسة في المناطق الطرفية والمحتاجة في العاصمة الخرطوم في أربع محليات بالولاية. حيث بلغت المميزانية 500,000 ريال قطري.

ووفقاً لنتائج ومحصلة العام الدراسي الذي انتهي خلال الفترة القليلة الماضية فقد حقق المشروع في تجربته الأولى أهدافه المرجوة. إلا أن البون مازال شاسعاً فما زالت هناك العديد من المدراس تعاني من ذات الواقع خاصة في الولايات من الفقر المُدقع الذي حرم تلاميذ يُفّع من تناول وجبة الإفطار الصباحي ما دفعهم إلى ترك مقاعد الدراسة.

بالطبع تغير الحال إلى الأحسن قياساً على مدرسة “إيد أبو زيد” بمحلية أم درمان. ورغم أن المدرسة في فترة العطلة إلا أن الأستاذ عبد العظيم فرح أحد أبناء المنطقة أصر أن نزور المنطقة والمدرسة لنطلع على  نتائج التلاميذ بعد تنفيذ مشروع “إفطار تلميذ”. حتى يكون الأمر حافزاً للخيّرين من قطر أو جهات أخرى لتتسع مظلة المشروع فتشمل محتاجين كثر في الأقاليم والولايات  البعيدة.

وجبة إفطار التلاميذ تحد من نسبة التسرب المدرسي

“قبل البدء في تنفيذ مشروع إفطار التلميذ كانت الصورة مغايره تماماً في العام الدراسي “2015 ــ 2016”. حيث شهد نسبة تسرب عالية من التلاميذ بترك مقاعد الدراسة. إضافة إلى تدني نسبة النجاح بصورة مخيفة. فمتوسط الفصل الدراسي كان يضم مابين “35 ــ 45” طالب وطالبة على الأقل لكنه تراجع إلى “21” تلميذ وتلميذة.

بل أن بعض الفصول الأخرى – خاصة الأساسية من الأول إلى الثالث –كان لايتجاوز عدد طلابها “9” دارسين. وقد بلغ المجموع الكلي لعدد التلاميذ بالمدرسة “361” من الطلاب. وخلال  نصف العام تراجع العدد إلى “197”طالباً وطالبة فقط.

لكن بعد الشروع في تنفيذ مشروع “إفطار تلميذ” حققت معدلات العام الدراسي “2016 ـ 2017” طفرة كبيرة وشهدت المدرسة استقراراً نسبياً. حيث تراجعت نسبة التسرب المدرسي بعد أن أخطرت إدارة المدرسة أسر التلاميذ بالقرية بتوفر وجبة إفطار من “قطر الخيرية ومنظمة مجددون” للتلاميذ وحقائب وزي مدرسي للطلاب وما إلى ذلك.

نتيجة العام الدراسي  2017 والتحصيل الأكاديمي حملت بشريات زرعت الأمل في نفوس الصغار والأساتذة بارتفاع نسبة النجاح لتصل إلى “53%”. حيث تراجعت نسبة التسرب من الفصول بدرجة كبيرة وتنامي العدد الكلي للتلاميذ ليصبح “241” طالب وطالبة. كما أن المؤشرات للعام  الدراسي المٌقبل تبشر بعودة الاستقرار للمدرسة. لكن بشرط أن يتواصل الدعم وتحقيق شعار “من أجل مجتمع لايجوع فيه الصغار”.

ونأمل أن تمتد أيادي الخيرين لتعميم التجربة إلى مناطق أخرى أكثر عوَزاً في بلد مترامي الأطراف يحتاج إلى الكثير.


محمد جادين

ملاحظة: يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.