استجابة إنسانية محلية قدر الإمكان ودولية حسب الضرورة

2022-08-01

دعا السيد مارتن غريفث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية “الأوتشا” إلى أن تكون الاستجابة الإنسانية “محلية قدر الإمكان ودولية حسب الضرورة”. لافتا في حديث خاص لمجلة “غراس” إلى الأهمية المتزايدة لتوطين العمل الإنساني. كما أثنى على جهود قطر الخيرية في تمويل المنظمات المحلية بشكل مباشر قدر الإمكان. وقال “إن النموذج التشغيلي لقطر الخيرية يسمح بأن تكون قريبة من الشركاء المحليين في الميدان.

كما سلط مارتن غريث، الضوء على أهم المعايير لتحقيق التوطين، و أبرز التحديات التي تقف أمام أجندة التوطين. بالإضافة إلى الآلية المتبعة أو التي يجب اتباعها للمضي قدما في هذا المسار. وإلى إسهام التوطين في تطوير قدرات المنظمات الإنسانة المحلية بحيث تكون قادرة على الاستجابة للأزمات بشكل أسرع وأكثر فعالية. إضافة إلى محاور أخرى… فإلى تفاصيل الحوار.

مطالبات قديمة

برأيك كوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ بمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ما أهمية توطين العمل الانساني والتنموي ولماذا المطالبة الدولية به؟

السيد مارتن غريفث: يجب أن تكون الاستجابة الإنسانية “محلية قدر الإمكان ودولية حسب الضرورة”. وظهر هذا التفكير بشكل قوي من القمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016. ولكن منذ ذلك الحين، لم يذهب سوى حوالي 5 % من التمويل الدولي إلى الجهات المحلية أو الوطنية من الحكومات أو الجمعيات الخيرية أو المنظمات غير الربحية الأخرى.

كانت هناك مطالبة منذ وقت طويل من قِبل المنظمات غير الحكومية المحلية بالمساواة في الاستجابة الإنسانية. وتقول المنظمات غير الحكومية إنها غالبًا عرضة للتجاهل وتعاني من نقص التمويل، وينبغي لمنظمات المعونة الدولية، بما فيها الأمم المتحدة، أن تتيح لها مساحة للنمو وتحمل المزيد من المسؤولية.

هناك عدة أسباب للأهمية المتزايدة لتوطين العمل الإنساني.

أولاً، توجد المنظمات غير الحكومية المحلية على أرض الواقع قبل وأثناء وبعد الأزمة. فهي ليست من أوائل المستجيبين فحسب، بل تقوم أيضا بتقديم الدعم طويل الأجل. وهي تعرف وتفهم السياق المحلي لتقديم الدعم بشكل أفضل بكثير مما يفعله المستجيبون الدوليون. وكونها جزءًا من المجتمع، تكون لديها في أغلب الأحيان معرفة محلية واسعة النطاق، مما يساعدها على تحديد الفئات الأكثر ضعفًا التي تحتاج إلى المساعدة.

ثانيًا، تمتلك المنظمات غير الحكومية المحلية أيضًا خبرة في التعامل مع حالات الطوارئ السابقة. مما يجعلها فعالة للغاية في الاستجابة الإنسانية. فعلى سبيل المثال، في بداية تفشي فيروس كورونا، استخدمت العديد من المنظمات غير الحكومية خبرتها في التعامل مع أمراض الكوليرا وفيروس الإيبولا وفيروس زيكا لإعداد المجتمعات لمواجهة الوباء.

ثالثًا، عندما يكون الدعم الإنساني الدولي أكثر ضآلة من أي وقت مضى في البلدان منخفضة الدخل، تلعب المنظمات غير الحكومية المحلية دورًا حاسمًا في الاستجابة للأشخاص المحتاجين. وأبرز الوباء أهمية الجهات الفاعلة المحلية التي تمكنت من الوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها بسرعة وكفاءة وسهولة أكبر من نظرائها الدوليين.

أخيرًا وليس آخرًا، كانت هناك مطالبات بإنهاء هيمنة المنظمات من شمال الكرة الأرضية، وتمكين المنظمات المحلية غير الحكومية، وخاصة تلك التي ترأسها نساء، لقيادة العمل الإنساني والتأثير فيه.



متى تمت المطالبة بتوطين العمل الخيري وهل هناك مدى زمني لتحقيق المطلوب من هذا الأمر؟

السيد مارتن غريفث: لفتت القمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016 انتباها كبيرًا إلى التوطين. وتم اقتراح العديد من التغييرات في كيفية تحقيق المانحين ومنظمات المعونة للتوطين. وتُعرف هذه المقترحات باسم الصفقة الكبرى – وهي اتفاقية تم إبرامها في القمة العالمية للعمل الإنساني بين المانحين ومنظمات المعونة التي تهدف إلى إيصال المزيد من الموارد إلى أيدي المحتاجين.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، وضعت الصفقة الكبرى تدابير مختلفة بما فيها دعوة للاستثمار في المستجيبين المحليين والوطنيين لتحسين قدراتهم؛ ومؤشر “توطين” لقياس التمويل المباشر وغير المباشر للمستجيبين المحليين والوطنيين؛ وتقديم 25 % من التمويل بشكل مباشر إلى المستجيبين المحليين بحلول عام 2021. وقد تغير هدف 25 % في الصفقة الكبرى 2.0 لعام 2021 وانعكس على أنه “زيادة” وليس كعدد مطلق.

كما تم التعهد أيضا بالالتزامات بضمان تكامل أكبر للجهات الفاعلة المحلية والوطنية في جهود التنسيق. والصفقة الكبرى، بقيادة الشخصية البارزة، جان إيغيلاند، ترصد التقدم المحرز في هذه الأهداف المحددة.

كانت الفترة الزمنية الأولية للوفاء بالتزامات الصفقة الكبرى من 2016 إلى 2021. بينما تمتد فترة الصفقة الكبرى 2.0 من 2022 إلى 2023.

ترصد اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات التقدم العام في عملية التوطين. وهذا منتدى للتنسيق ووضع السياسات واتخاذ القرارات المتعلقة بالمساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية. إن تضافر كل هذه الجهود سيساعدنا على إحداث فرق ملحوظ في بعض هذه القضايا.

تحديات

ماهي أهم المعايير لتحقيق التوطين؟

السيد مارتن غريفث: يتطلب التوطين تحولًا ثقافيًا نحو نظام يضع المجتمعات المتضررة وممثليها في قلب الاستجابة للأزمات، مما يفسح المجال لتأثيرها واتخاذها للقرار. ويجب أن تكون الحاجة إلى تعزيز وكالة أكبر للمنظمات والجهات المحلية والوطنية متجذرة في كل استجابة لأزمة إنسانية.

يجب أن تتجاوز مشاركة الجهات الفاعلة المحلية والوطنية في الاستجابة مرحلة الحصول على حصة أكثر إنصافًا من التمويل والفرص لتنفيذ المشاريع – على الرغم من أن هذه تعتبر بداية جيدة. ويجب أن تقود الجهات المحلية وتكون جزءًا من العملية التي تصمم الاستجابة وتنفذها وتراقبها.  كما يتعين التأكد من صحة القرارات المتعلقة بالعمل الإنساني في مجتمع أو بلد بواسطة المجتمعات المتأثرة بالأزمة. ويجب علينا أن نفعل كل ما نستطيع أن نقوم به لجعل مساهماتها أكثر وضوحا.

ما هي أهم التحديات التي تقف أمام أجندة التوطين؟

السيد مارتن غريفث: اسمحوا لي أن أشير إلى التحديات الرئيسية التي تواجه توطين العمل الإنساني

الأول هو مسألة القيادة والتأكد من أن الاستجابة الإنسانية، حيثما أمكنت، تكون ذات القيادة المحلية أو القيادة المشتركة، مع احترام المبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والنزاهة والاستقلال.

وظلت المنظمات الدولية مهيمنة على العقود الخمسة الماضية للعمل الإنساني. وفي بعض حالات الصراع، قد تكون المنظمات الدولية قادرة على الدعوة للوصول بنجاح أكبر. وقد تكون المهارات والخبرات الدولية مفيدة بشكل خاص في حالات مثل عملية جراحية لإصابات الحوادث أو إدارة المخيم. ومع ذلك، فإن ثقافة تقاسم السلطة واتخاذ القرار مع المنظمات المحلية لا تزال غير موجودة بشكل طبيعي في هذا القطاع.

الثاني هو مسألة المشاركة الهادفة والإنصاف، أو بعبارة أخرى، لا تحصل الجهات المحلية الفاعلة على مقعد على الطاولة فحسب، بل تكون موضع ترحيب حقيقي كشركاء متساوين، نظرًا لما تتمتع به من رؤية كافية وقدرة على التأثير في عمليات صنع القرار.

وهذا يعني أيضًا ضمان حصولها على المساحة الكافية والدعم للتعبير عن آرائهم. وسيعني هذا، على سبيل المثال، توفير خدمة الترجمة والترجمة الفورية بحيث لا تشكل اللغة حاجزا.

نحتاج أيضًا إلى دعم منصات التنسيق المحلية والقيادة المحلية وضمان أكبر قدر من التوازن بين الجنسين.

يتعين على الجهات الفاعلة الإنسانية الدولية الاعتراف بهذا الدور الجديد كعناصر تمكين للقيادة المحلية والوطنية. وهذا يعني أيضًا أن البنيان الإنساني الحالي يجب أن يشمل الجهات الفاعلة المحلية والوطنية كشركاء متساوين. لا شيء من هذا سيكون سهلا.



تطوير القدرات

من خلال متابعتكم، هل هناك تقدم من قبل المنظمات الأممية مثل الأوتشا والجهات الدولية في مسألة التوطين؟

السيد مارتن غريفث: أنا فخور بأن أقول إن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية قد أحرز تقدمًا في الالتزامات التي قطعناها على أنفسنا في القمة العالمية للعمل الإنساني لعام 2016.

وعلى سبيل المثال، ارتفع حجم التمويل الذي نخصصه من خلال الصناديق المشتركة القطرية، التي يديرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، للمنظمات غير الحكومية المحلية بشكل مطرد من 22.8 % في عام 2016 إلى 34 % في عام 2021.

ولكن هناك الكثير مما يجب القيام به وتحسينه، بما في ذلك ما يتعلق بجودة التمويل الذي يذهب إلى المستجيبين المحليين. وتُظهر خدمة التتبع المالي، التي يديرها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لتتبع تدفقات التمويل للعمل الإنساني على الصعيد العالمي، إحصائية مؤسفة: وهي أنه لم يذهب سوى 5 % من التمويل العالمي للجهود الإنسانية إلى الجهات المحلية والوطنية منذ عام 2016. ويجب أن يتغير هذا. كما يجب أيضًا أن يكون لدينا المزيد من المنظمات المحلية التي تقود الهياكل التنسيقية وتشارك في قيادتها.

أي مدى يسهم التوطن في تطوير قدرات المنظمات الإنسانة المحلية بحيث تكون قادرة على الاستجابة للأزمات بشكل أسرع وأكثر فعالية؟

السيد مارتن غريفث: هاتان المسألتان مرتبطتان. ولا يمكن أن يتحقق التوطين الحقيقي والاستجابة الفعالة إلا عندما نحن لا نستثمر في الشركاء المحليين ونقوم بتمكينهم من القيادة والاستجابة السريعة فحسب، بل عندما ندعم أيضًا قدرتهم على التطور. ولا يقتصر تطوير القدرات على توفير التمويل فحسب؛ بل إنه يتعلق أيضًا بضمان الاستثمار في التدريب والتوجيه وفرص التنمية الأخرى للمنظمات المحلية والقادة المحليين.

بخصوص قضية توطين العمل الإنساني، كيف ترى أداء قطر الخيرية في هذا المجال باعتبارها إحدى المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر؟

السيد مارتن غريفث: يسمح النموذج التشغيلي لقطر الخيرية بأن تكون قريبة من الشركاء المحليين في الميدان. كما أن من الجدير بالثناء أن قطر الخيرية تمول المنظمات المحلية بشكل مباشر قدر الإمكان.  وتظل المنظمات غير الحكومية المحلية تدعو إلى ذلك منذ فترة طويلة. وهذا أيضًا يتماشى مع هدف المجتمع الإنساني العالمي.

المقال منشور في العدد 27 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.