قصة كفاح يتيم: تخصص في الطب لخدمة الأيتام واللاجئين

2019-03-11

قد يكون عفويا أن يتمّ التخصص الجامعي في مجال الطبّ أو الصحة العامة، ثم يتلوه عمل بعد التخرج في المجال الإنساني والإغاثي، دون أن يحمل ذلك أية دلالات. خصوصا عند حديثنا عن عموم الشباب، لكنّه بالنسبة للشاب واليتيم الكيني:”عبد الفتاح حسين آدم” يُعدّ أمرا مقصودا ومخططا له. بل ويرتبط بظروف حياته في الصغر، كما تشير قصته التي سنتعرّف على تفاصيلها في الحال.

مركز وقسم داخلي

ولد عبد الفتاح المولود عام 1990 في قرية تابعة لمدينة “قاريسا” عاصمة إقليم شمال شرق كينيا حياة اليتم منذ الخامسة من عمره، بعد أنّ تُوفّي والده. وهو ما أثّر على حياته وحياة أسرته التي افتقدت السند والمعيل. ودفع عمّه ليبحث له عن محضن يضمن له التعليم والرعاية والأمان. فكان “مركز النجاح للأيتام” الذي يوفّر له ولأمثاله من الأيتام الدراسة والمبيت والمتابعة في قسمه الداخلي بآن واحد. وحظي تبعاً لذلك بكفالة قطر الخيرية منذ عام 1998 ولمدة عشر سنوات.

تضاعفت معاناة عبد الفتاح حسين آدم عندما توفيت أمّه وهو في السنة الثانية من دراسته. فقد ترك هذا الحدث في نفسه ألماً شديدا، لقد غاب نبع الحنان، الذي ملأ في حياته دور الأب والأم معا. لكنّ عناية الله تتداركه من خلال كفالة قطر الخيرية التي كان لها تأثير كبير على حياته وتفكيره وبناء مستقبله. وما حققه من نجاحات في تحصليه العلمي وعمله الوظيفي فيما بعد.

يعبّر عبد الفتاح عن ذلك بامتنان قائلا: “كان تأثير الكفالة على حياتي كبيرا، فهي إلى جانب ما وفّرت لي من رعاية شاملة، غطّت الجوانب التعليمية والصحية والسلوكية. كما أوجدت لي مناخا يحاكي المناخ الأسريّ أيضا، وهو ما قاد إلى تعزيز ثقتي بنفسي، وخفّف عني فقد الأبوين ودفء الأسرة”. ويجمل الحديث عن الكفالة بعبارة واحدة مؤثرة بقوله: “سنوات الكفالة العشر يمكنني وصفها بالذهبية. فقد كانت حافلة بأحداث مهمّة غيّرت حياتي”.. فما الذي تعلّمه عبد الفتاح في مدرسة اليُتم؟ وما هي أهم الإنجازات التي حققها بعد ذلك؟ وما الذي يطمح له في قادم الأيام؟ .

شهادات عليا

تعلمَّ عبد الفتاح في كنف محضن الأيتام الذي وفرته له الكفالة “الكثير والكثير” كما أخبرنا. وفصّل ذلك بقوله: “تعلمتُ أنّ الحياة مليئة بالصعوبات، ومن الضروري الوقوف مع الذات من أجل اكتشاف القوة الداخلية التي خلقها الله فينا، والتي إن أحسنّا توظيفها تجعلنا قادرين على تحمّل المشاقّ وتحويلها إلى فرص. ولأنني عشت في مركز الأيتام مع مجموعة من الأطفال من أعراق مختلفة وثقافات وتقاليد متعددة.

فقد تعلمتُ أنّ التنوع والاختلاف بين البشر صفة يمكن التعامل معها بإيجابية. بالإضافة إلى المهارات الحياتية الرائعة التي تعلّمتها ولا تزال آثارها الإيجابية مستمرة كمهارة الطبخ، وممارسة الرياضة بمختلف أنواعها، والعمل في إطار مجموعات وفرق عمل وغيرها” .

بعد الانتهاء من التعليم الأساسي عام 2005، واصل عبد الفتاح تعليمه إلى أن تخرّج من كلية الأجيال الفنية. وحصل على شهادة في تطبيقات الحاسب الآلي، ثم التحق بجامعة “موي إلدوريت” وحصل منها على دبلوم في الصحة العامة. وفي عام 2014 دخل جامعة “مانتيكينيا”، مواصلاً دراسته في كلية الطب والصحة العامة لينال منها درجة البكالوريوس. وحاليا يدرس الماجستير في مجال الصحة العامة، متخصصا في علم الأوبئة والسيطرة على الأمراض.

طوارئ وعمل إنساني

من الأسباب التي دفعت عبد الفتاح لاختيار دراسة الصحة العامة هو أنه واجه عدداً من المشاكل الصحية أثناء دراسته في المرحلة الثانوية، بسبب عدم مراعاة المعايير الكافية للحفاظ على الصحة العامة فيها، وعدم قيام المشرفين الصحيين بالتوعية الكافية للطلاب بأهمية النظافة، ومراعاة القواعد الصحية المطلوبة في الصرف الصحي. لذا أراد أن يتخصّص في هذا المجال كي يسهم في تغيير هذه الصورة، والقيام بالتوعية ومساعدة الآخرين والإسهام بسدّ ثغرة في هذا الجانب.

بعد إتمام دراسته الجامعيّة باشر عبد الفتاح العمل في قطاع الطوارئ بوزارة الصحة الكينية أخصائيا في مجال تعزيز النظافة الصحيّة لصالح لاجئي اليمن المقيمين في كينيا. كما شارك في الكثير من البرامج الإغاثية لصالح مخيمات اللاجئين المنتشرين في كينيا. كما شارك في أنشطة إنسانية استفاد منها أكثر من 10 آلاف يتيم، وأعرب عن سعادته لأنّ الله أكرمه بوضع علمه وخبرته لصالح خدمة شرائح اللاجئين الذين اضطرتهم ظروف الكوارث والأزمات لترك ديارهم والسكنى في المخيمات. ناهيك عن سروره بخدمة “دور الأيتام” التي كان أحد من تربّى وترعرع في إحداها.

رفع الوعي الصحي

لازال لدى عبد الفتاح حسين آدم الكثير من الطموحات التي ينوي تحقيقها في المستقبل. يحدثنا عنها فيقول: “على المستوى الأكاديمي فإنني أخطط  لنيل درجة الدكتوراه بعد إنهاء مرحلة الماجستير التي أواصل دراستي فيها حاليا.  ولأنني أعمل مع لاجئين من بلد عربي (اليمن) فأريد رفع مستوى اللغة العربية عندي. وعلى مستوى حياتي الشخصية سأبذل كل ما عندي لتكوين أسرة بإذن الله تعالى”.

ويخصّ مراكز الأيتام بمخطط مشاريعه القادمة فيشير إلى نيته تنفيذ برامج صحية لرفع الوعي الصحي عند الأيتام، ولتنبيه المربين إلى أهمية التثقيف الصحي منذ الصغر.

ويختم عبد الفتاح حديثه بكلمة موجّهة للأيتام وللكافلين ولكل ذوي العلاقة قائلا:  “إنّ اليتم ليس عائقا أبداً أمام النجاح. فعندما تتوفّر الظروف المناسبة لليتيم الطموح فلن يتردّد في الوصول إلى قمّة النجاح”.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.