الإعلام والعمل الخيري .. رؤية نوعية نحو التكامل

جابر الحرمي
2019-05-15

في الوقت الذي يشهد الإعلام ” ثورات ” متسارعة في قطاعاته المختلفة، تنوعا وفضاء وتقنية، مع تغيّر متسارع كذلك في العلاقة بين الإعلام والعمل الخيري الذي تتسع رقعته كذلك وتتعاظم أدواره ، في ظل اتساع رقعة الفقر والحروب والأزمات ..، وما ينتج عنها من ضحايا.

ومفهوم الضحايا ليس مقصورا على سقوط قتلى أو جرحى نتيجة تلك الحروب والأزمات، إنما الضحايا تشمل كذلك تحوّل مجتمعات بكاملها من حالة اللا حاجة للمساعدات ، الى الحاجة الماسة الى ذلك ، ومن ثم زيادة العبء على الجمعيات والمؤسسات الخيرية ، والمطالبة للقيام بدورها المساند لهؤلاء القادمين الجدد لعالم الفقر والحاجة .

هذا الجهد الكبير لهذه الجهات الخيرية بحاجة الى مساندة فعلية، واذا كانت شرائح المجتمع المختلفة تقع عليها مسؤولية دعم هذه الجهات الخيرية ، فان الاعلام ومؤسساته يجب ان يكون في الصفوف الأولى الداعمة والمساندة للجهات الخيرية .. لكن كيف وما هي الخطوات ؟

من المهم جدا على المؤسسات الإعلامية الخروج من أفق الدور التقليدي والمتعارف حول علاقة الإعلام والعمل الخيري داخل المجتمع ، في كونها تصدر صحيفة ورقية ، أو لديها قناة تلفزيونية ، أو تبث اذاعة مسموعة .. .

على المؤسسات الإعلامية في هذه المرحلة قيادة مبادرات نوعية تخدم المجتمعات، وتلامس قضايا مواطنيها، ليس فقط في عملية النشر أو البث ، إنما من خلال تنفيذ شراكات وتحالفات مع أطراف مختلفة ، تستهدف خدمة إنسان هذه المجتمعات .

وبالتأكيد فان أولى هذه الجهات التي ينبغي أن تحظى بالأولوية في إقامة شراكات وتحالفات معها هي الجمعيات او المؤسسات الخيرية، لإيصال رسالتها الى أكبر شريحة ممكنة داخليا وخارجيا، وإبراز الأدوار التي تقوم بها، والجهود الكبيرة التي تبذلها، وتعزيز حضورها في الأوساط المختلفة.

وبالرغم من أن هناك علاقة جيدة تربط المؤسسات الإعلامية في قطر مع المؤسسات الخيرية، وعلى درجة عالية من التواصل، إلا أن فتح آفاق جديدة للتعاون والتكامل مطلوب، خاصة في ظل توسع أدوار القطاعين: العمل الخيري والإعلامي .

برنامج سفاري الخير من أهم نماذج التكامل بين الإعلام والعمل الخيري
برنامج سفاري الخير من أهم نماذج التكامل بين الإعلام والعمل الخيري

مطلوب اولا مزيد من التواصل والحوار المفتوح، والتفكير بمشاريع مشتركة، وقيادة مبادرات خيرية، يذهب ريعها لدعم الاعمال الخيرية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، واستثمار القدرات والإمكانات الخاصة بالمؤسسات الاعلامية لتعزيز حضور العمل الخيري، وتقديمه بصورة مميزة.

لقد حققت الشراكات التي تمت بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الخيرية نجاحات مضاعفة، عن تلك التي تمت في نطاق المؤسسات الخيرية دون شراكة مع مؤسسة إعلامية، وهذا ما يدفعنا للبحث عن أفكار جديدة بحيث يتم العمل معا عليها.

كذلك خلق مبادرات مشتركة، يدفع قطاعات أخرى من المجتمع للمضي قدما نحو إيجاد شراكات مع المؤسسات الخيرية، ويحفز أطراف أخرى للبحث عن سبل لتواجدها في العمل الخيري، وهو ما يصب في نهاية المطاف بحضور أوسع وأكبر واشمل للمؤسسات الخيرية على مستوى العالم .

ولا شك أن نجاح هذه المؤسسات الخيرية في أدوارها هو نجاح لكل مؤسسات المجتمع، هذه الرؤية يجب أن نعززها بصورة أعمق .

مؤسساتنا الخيرية وفي مقدمتها قطر الخيرية تتبوأ اليوم مكانة مرموقة عالميا على صعيد العمل الخيرية، وتحظى بمصداقية عالية، وثقة المؤسسات العالمية فيها كبيرة، بفضل أدائها، وشفافية عملها.

بالإضافة إلى التزامها بمعايير عالية الدقة في التعاطي مع ساحات العمل الخيري، وقبل هذا ما يتمتع به القائمون على هذه الجمعية من كفاءة وإخلاص ومصداقية يشهد بها الجميع ، بما فيها مؤسسات الامم المتحدة ، التي تحرص على العمل مع قطر الخيرية في العديد من المناطق بالعالم.

الإعلام والعمل الخيري: نحو التأسيس لمرحلة جديدة تخدم للقضايا الإنسانية

هذا النجاح والتميز الذي حققته قطر الخيرية وأخواتها في العمل الخيري من جمعيات ومؤسسات محلية، يدفع نحو البحث عن المزيد من مرتكزات التكامل، والأعمال التي يمكن للطرفين المشاركة فيها ، بين الإعلام والعمل الخيري .

الإعلام بفضاءاته المختلفة يلعب أدوارا كبيرة في إنجاح المشاريع، ولم يعد بالإمكان تنفيذ أعمال ناجحة، وذات بعد جماهيري إلا من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، بما فيها الإعلام الجديد ، وشبكات التواصل الاجتماعي، الذي باتت أدوارها تتعاظم .

آن الأوان لإحداث نقلة نوعية في التكامل بين الإعلام والعمل الخيري، مع تأكيدنا على أن هناك تعاون بين الجانبين، الا أن تطوير العمل فيما بينهما، والتفكير بخلق مساحات جديدة، وفتح أفق أرحب للتعاون والتكامل مطلوب اليوم أكثر مما مضى، لاعتبارات متعددة.

ويمكن اذا ما اجتمع الاعلام والعمل الخيري ضمن رؤية موحدة، أن نرى مبادرات جديدة ونوعية تدعم العمل الخيري ، وتؤسس لمرحلة جديدة ، تخدم العمل الخيري ، وفي نفس الوقت تقدم المؤسسات الاعلامية على أنها اكثر تفاعلية في نطاقها المجتمعي .


هذا المقال منشور بمجلة غراس التي تصدرها قطر الخيرية – يمكنك الآن الإطلاع على آخر عدد من غراس أو الأعداد السابقة للمجلة.

جابر الحرمي
كاتب وإعلامي
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.