ذوي الاحتياجات الخاصة : مصابيح أمل تنير دروب الأصحاء

2019-05-22

لنعد بالزمن إلى نور النبوّة، إلى مكة تحديداً، حيث رجل كفيف البصر، ينتمي إلى الفئة التي نعرفها اليوم بـ ” ذوي الاحتياجات الخاصة “، كان من السابقين إلى نور الإسلام، عانى مع الصحابة رضوان الله عليهم  بطش وقسوة قريش.

في تلك الأثناء كان الرسول صلى الله عليه وسلم كثير التصدي لسادات المشركين، شديد الحرص على إسلامهم، التقى بهم ذات يوم، فأقبل عليه رجل كفيف اسمه عبد الله بن أم مكتوم يستقرئه آيةً من كتاب الله قائلاً “يا رسول الله علمني مما علمك الله”، فأعرض الرسول الكريم عنه وعبس في وجهه، وتولى نحو كفار قريش لإتمام مهمته العظيمة آملاً أن يُسلموا فيكون في إسلامهم عزاً لدين الله ومنعة.

وما إن قضى رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه- حديثه معهم وفرغ من نجواهم، حتى نزل عليه الوحي (عبس وتولى (1) أن جاءه الأعمى (2) وما يدريك لعله يزكى (3) أو يذكر فتنفعه الذكرى (4))  إلى آخر السورة الكريمة. ست عشرة آية عوتب فيها النبي من ربه عبر آيات تُتلى إلى يوم القيامة لسبب واحد: أنه –فقط- عبس بوجه رجل كفيف. وعلى الرغم من أن عبدالله ابن أم مكتوم لم يرَ عبوس نبي الرحمة، إلا أن الرحمن عز وجل عاتبه، لعظم قدر هذه الفئة عند الله عز وجل، ومؤشرٌ بالحذر من إيذائهم بأي شيء شعروا به أم لم يشعروا.

غانم المفتاح: مثال ذوي الاحتياجات الخاصة الذين أبهروا العالم رغم التحديات

لنعد بالزمن إلى وقتنا الحاضر، وبالضبط عام 2017 ميلادي. في ذات المكان – المسجد الحرام بمكة المكرمة. القدسية تملأ الأجواء، القلوب وجلة متعلقة بخالقها. تكاد تُعمى الأبصار عن الدنيا، إلا أن أنظار المعتمرين تتجه مُرغمة إلى حراس الحرم. يدفعون  الناس عن طفل صغير، ليس بالوزير ولا الأمير. يقترب إمام الحرم، يجلس القرفصاء، ويُقبل غلاماً لا يبدو عادياً. طفلٌ عرّف نفسه بإحدى الندوات بالقول: لست مثلكم، لأنني أعيش برُبع جسد، ونصف عمود فقري، ولا أستطيع أن أنام على ظهري أكثر من 5 دقائق، وعند الأكل أستلقي على ظهري، وأحب جسمي أكثر من محبتكم لأجسادكم، وأعظم تحدٍّ هو التعايش مع الإعاقة بحبٍ وسلامٍ وابتسامة”. هذا الطفل هو القطري غانم المفتاح، الذي بلغت شهرته الآفاق، يحقق حلمه بالطواف والسعي على يديه الناعمتين.

لم يكن اهتمام إمام الحرم بغانم، من قبيل الشفقة، كما لم يكن استقباله من قبل كثير من الزعماء والأدباء والفنانين والإعلاميين من هذا الباب، بل لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين أبهروا العالم بإمكاناتهم وقدراتهم رغم عجز أجسامهم،

الشيخ الشهيد أحمد ياسين: عندما ينتصر الجسد الضعيف على الظلم

فها هو الشيخ الفلسطيني أحمد ياسين – رحمه الله –  يؤسس لمقاومة من أهم المقاومات التي عرفها التاريخ.  كان يمكن أن يُعيق جسده الهزيل همته، لكن روحه التي ارتقت به في دنيا الناس وجعلت منه قدوة للأصحاء، ارتقت به شهيداً عند الله، وصار اسم أحمد ياسين أيقونةً عالميةً في مقاومة الظلم.

ذوي الإحتياجات الخاصة: إرادة تنتظر الدعم والتشجيع

الكثير منا سمع عن غانم المفتاح وعن الشيخ الشهيد أحمد ياسين وعن آخرين. لكن هناك الآلاف من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، ممن ينتظرون الفرصة من خلال كفالة أحد المحنين، يعانون في صمت، ورغم ذلك يحدوهم أمل كبير لفرصة قد تتاح لهم يوما ما،  يصدُق فيهم قول المتنبي : “وإذا كانت النفوس كباراً ـ تعبت في مُرادها الأجسام ” فالهمم عالية تتمرد على ضعف أجسامهم، فتطير بعيداً بإنجازاتها وأملها وإصرارها لتبهرنا مراراً وتكراراً.

مفيد مصطفى

ملاحظة: يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.