رمضان في الغربة: حنين إلى أجواء الشهر الفضيل

2019-05-22

شهر رمضان من أكثر الأوقات التي تحرص فيها الأسر المسلمة على الاجتماع، استشعاراً للقدسية الدينية للصيّام وحفاظاً على العادات والتقاليد التي تضفي على رمضان نكهةً خاصة. غير أن لرمضان في الغربة طابعٌ مختلف، خاصةً بالنسبة للطلاب الذين تجبرهم ظروفهم السفر بعيداً عن دفء الأسرة، طلباً للتحصيل والمعرفة. في هذا المقال سأتطرق إلى مختلف الجوانب الإنسانية التي تميز تجربة الصيام في بلاد الاغتراب بما في ذلك الصعوبات والأوجه الإيجابية.

رمضان في الغربة وتأثير ايقاع الحياة المتسارع

 لعلّ أوّل ما يلاحظه الصّائم في بلاد الغربة هو غياب مظاهر الاستعداد الذي تؤثث عادةً شوارع الدّول المسلمة فرحاً باستقبال الشهر الفضيل. فرمضاان في دول المهجر كغيره من الشهور، يتبع نفس الإيقاع المتسارع الذي يزف بالفرد في دوّامة من الانشغال، لا يتبقّى معها حيّز كبيرٌ للعبادة والتقرب من الله، في شهرٍ اعتاد فيه المسلم على الإكثار من الصلاة والدعاء، طمعاً في ثواب شهر كرّمه الله بليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر.

كما أنه في الوقت الذي تعتمد المدارس والجامعات في الدّول المسلمة نظاماً يتماشى مع ساعات الصيام، نجد الأمر مختلفاً في الغرب، حيث لا تغير الجامعات مواعيد الدّراسة والامتحانات، ممّا قد يطرح صعوبات أمام الطلاّب المسلمين، حيث تتزامن ساعات الدّوام المتأخرة مع مواعيد الافطار وما يستلزمه الأخير من وقت من أجل تحضيره خاصّة في غياب دعم الأسرة.

تجدر الإشارة إلى أنّ الطلاب المسلمين في بعض البلدان كالدول الإسكندنافية، يصومون لساعات طوال قد تصل إلى ٢١ ساعة، نظراً للخصائص الجغرافية لهذه البلدان، التي تتميز بطول النهار وتأخّر غروب الشّمس، خاصةً في فصل الصيف. هذه التجربة تترك – دون أدنى شك –  أثراً عميقاً في تقوية القدرة على الصبر والتّحمل، اللذان يعتبران من أسمى مقاصد الصيام.

بالإضافة إلى ما سبق ذكره، يجد الطالب المغترب صعوبةً من نوع آخر في بلاد المهجر. فبعد يومٍ طويلٍ من الصيام، يمني الفرد نفسه بإفطارٍ يذكره بدفء اللّمةِ الأسرية، غير أنه في غالب الأحيان – نظراً لندرة الأسواق التي توفر الأطعمة الحلال – يجد نفسه أمام مائدة لا شيء فيها يشبه ما أِلفته عينُه في بلاده، عدا التمور والحليب الذين يمنيانه بعودةٍ منشودةٍ إلى أحضان الوطن وحنان العائلة. في هذا السيّاق، يجدر الذكر أن نهار الصيام في الغربة يختلف من بلد إلى آخر، بل ومن منطقة إلى أخرى في البلد نفسه. فإذا كان الطالب المسلم في أكبر مدن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا يجد ما يسرّه من مساجد ومراكز إسلامية تهوّن عليه غربته، فالطلاب المسلمون في المدن الصغرى وبعض دول أوروبا الشرقية يفتقرون لمثل هذه المرافق التي من شأنها التخفيف من وطأة الشعور بالغربة.

على الرغم مما تم ذكره آنفاً، فصيام المسلم في بلاد المهجر يظلّ فرصةً ثمينةً لاستشعار مرتبة العائلة وقيم ديننا الحنيف التي تحث على التلاحم والتآزر بين المسلمين. فلعلّ أكثر اللحظات بهجة لدى الكثير من المغتربين هي ساعة الإفطار المشترك التي تجمع مسلمين من دول مختلفة حول مائدةٍ واحدة. فتجد الطلبة يجلبون ما جادت به أيادي الأمهات الكريمات من مأكولات تقليدية، أبَت كل أمٍّ إلاّ أن ترسلها لفلذة كبدها، مع قريبٍ مسافرٍ أو صديق. فهكذا تنتهي غالباً وجبات الإفطار الجماعي بأحاديث عن الحنين إلى الوطن وعن عظمة رمضان بين الأهل والأحباب. في الحقيقة هي كذلك فسحة للتعرف على تقاليد وعادات من مختلف البلدان الإسلامية. فتجد المسلمين المغتربين أشد حرصاً على التآزر والالتحام في رمضان أكثر من غيره من الشهور، محققين بذلك إحدى أسمى مقاصد الدين الإسلامي، مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم…)  سورة الحجراتء الآية:١٣.

آمال الوصيف

ملاحظة: يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق