أيهما أفضل: صدقة السر أم العلانية؟

2025-09-07

أفضل الصدقات ما كان خالصًا لله، سواء أُخفيت أم أُعلنت. لكن الأصل أن صدقة السر أرجى للقبول وأبعد عن الرياء، خاصة إذا لم يترتب على إعلانها مصلحة راجحة.

أما إذا كان في إظهارها تقوية لصلة الرحم، أو إدخال السرور على القريب، أو تشجيع للناس على العطاء، فإن العلانية حينها تكون أولى، بشرط صفاء النية. فالمعيار الحقيقي ليس في العلن أو السر، بل في النية التي يحملها القلب.



حرص ديننا الحنيف على إرشادنا إلى أعمال الخير الكثيرة وحثّنا على الاستزادة منها لحصد المزيد من الأجر والثواب. لكن في الوقت ذاته نبهنا إلى ضرورة سد منافذ الشيطان التي قد تتسبب في ضياع جهدنا سدى.

صدقة السر: طريق الإخلاص ودفع البلاء

قال الله تعالى:
“إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (البقرة: 271)
هذه الآية تُبرز أن إخفاء الصدقة أفضل من إعلانها، لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، ويُكفّر السيئات.
وقد روى الترمذي أن النبي ﷺ قال:
“إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء”
وفي رواية أخرى:
“الصدقة خفيا تطفئ غضب الرب” (رواه الطبراني وصححه الألباني)
إخفاء الصدقة يُعزز العلاقة بين العبد وربه، ويُبعده عن طلب المدح والثناء، ويُحصّنه من آفة الرياء التي تُفسد العمل وتُضيّع الأجر.

أيهما أفضل: صدقة السر أم العلانية؟

في لحظات العطاء، يقف الإنسان أمام خيارين: أن يُخفي صدقته بينه وبين ربه، أو أن يُظهرها أمام الناس. كلاهما خير، وكلاهما يُرضي الله، لكن أيهما أعظم أجرًا؟ وأيهما أقرب إلى الإخلاص؟ هذا السؤال يتكرر كثيرًا في المجالس والدروس، ويستحق أن نتوقف عنده بتأمل وتدبر

صدقة السر تطفئ غضب الرب وتقي مصارع السوء

الأصل أن الأعمال الصالحة كلها خير، سواء كانت في السر أو العلانية تطفئي غضب الرب وتصنع المعروف بفاعلها وتحفظه بإذن الله. من ذلك الصدقة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وإغاثة الملهوف، والإحسان إلى الناس.

فقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء”.

كما وردت الكثير من الأدلة الشرعية التي تحث على إخراج الصدقة سراً، من ذلك ما رواه الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. (صححه الألباني).



المفاضلة بين صدقة السر والعلن

ذهب الكثير من العلماء إلى القول بتفضيل صدقة السر على الصدقة العلانية، لأن في إخفاءها أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء، كما أنها أقل إحراجا للمحتاج.

لماذا يُفضل إخفاء الصدقة؟

  • الإخلاص: حين يُخفي الإنسان صدقته، يكون أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، خاصة في زمن تنتشر فيه صور التفاخر بالعطاء.
  • حفظ كرامة المحتاج: صدقة السر تحمي المحتاج من الإحراج، وتُجنّبه نظرات الناس أو تعليقاتهم.
  • الطمأنينة النفسية: يشعر المتصدق براحة داخلية، لأنه يعلم أن عمله خالص لله، لا ينتظر عليه مدحًا أو شكرًا.

لكن من العلماء من قال بأن صدقة السر على الغالب أفضل من صدقة العلانية، وأحياناً قد تكون صدقة العلانية أفضل.

وقد أشار ابن كثير في تفسيره إلى أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، إلا إذا ترتب على الإظهار مصلحة راجحة، مثل تشجيع الناس على التبرع.

هل الأفضل إظهار الصدقة أم إخفاؤها؟

جاء في تفسير ابن كثير على أن في الآية التي سبق ذكرها: “دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به فيكون أفضل من هذه الحيثية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة ـ والأصل أن الإسرار أفضل لهذه الآية. انتهى.

متى تكون صدقة العلانية أفضل؟

رغم أن الأصل في صدقة النفل هو الإخفاء، إلا أن هناك حالات يُستحب فيها الإظهار، منها:

  • القدوة الحسنة: حين يكون المتصدق شخصية مؤثرة، ويُظهر صدقته لتحفيز الآخرين.
  • دعم الحملات العامة: مثل حملات الإغاثة أو كفالة الأيتام، حيث يُظهر المتبرع دعمه لتشجيع الآخرين على المشاركة.
  • الشفافية: في بعض المؤسسات، يُطلب من المتبرعين إظهار تبرعاتهم لأغراض تنظيمية أو قانونية.

وقال ابن العربي في كتابه أحكام القرآن: “فأما صدقة النفل، فالقرآن صرح بأنها أفضل منها في الجهر، بيد أن علماءنا قالوا: إن هذا على الغالب مخرجه، والتحقيق فيه أن الحال في الصدقة تختلف باختلاف المعطي لها والمعطى إياها، والناس والشاهدين لها، أما المعطي، فله فائدة إظهار السنة وثواب القدوة، وآفتها الرياء والمن والأذى، وأما المعطى إياها، فإن السر أسلم له من احتقار الناس له أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف “.

صدقة السر أم العلن: كيف تختار الطريقة الأنسب لك؟

  • إن كنت تخشى الرياء، فاختر صدقة السر.
  • إن كنت تريد تشجيع الآخرين، فاظهر صدقتك.
  • إن كان المحتاج يعرفك، فاحرص على ألا تُحرجه.
  • إن كنت تتبرع عبر مؤسسة، فاختر الطريقة التي تحفظ كرامة الجميع.
  • النية هي الأساس، والهدف هو رضا الله، سواء أُخفيت الصدقة أم أُعلنت.

هل الأفضل إخفاء الصدقة أم إعلانها؟ بين الإخلاص وصلة الرحم

أفضل الصدقات وأخلصها ما كان خفية، لكن حين يتعلق الأمر بالأقارب، يتردد الإنسان بين خيارين:

هل يُخفي صدقته عنهم ليحفظ إخلاصه؟ أم يُظهرها ليُشعرهم بالحب والاهتمام؟
هذا السؤال يطرحه كثيرون ممن يسعون للجمع بين الأجر وصلة الرحم، خاصة حين يشعرون أن إعلان المساعدة قد يُسعد القريب ويُشعره بالاهتمام، بينما الإخفاء قد يُبعد عن الرياء ويُقرب من الإخلاص.

صدقة العلانية: القدوة وصلة الرحم

رغم أن الأصل في صدقة النفل هو الإخفاء، إلا أن هناك حالات يُستحب فيها الإظهار، منها:

تشجيع الآخرين: حين يُظهر الإنسان صدقته ليحث غيره على التبرع، خاصة في الحملات العامة.
صلة الرحم: حين يُظهر مساعدته لأقاربه ليُشعرهم بالاهتمام، ويُزيل عنهم شعور الإهمال أو التقصير.
في حال الأقارب:، قد يكون إظهار الصدقة سببًا في تقوية العلاقة، وإزالة الحواجز النفسية، خاصة إذا كان القريب يشعر بالحاجة لكنه لا يطلب المساعدة مباشرة.

لكن يجب أن يكون الهدف هو صلة الرحم، لا طلب الشكر أو المدح، وأن تكون النية خالصة لله.
كيف توازن بين الإخلاص وصلة الرحم؟

إذا كنت تخشى الرياء، فاجعل صدقتك سرًا.
وإذا كنت تعلم أن إعلانها سيُسعد قريبك ويُشعره بالاهتمام، فاظهرها بنية صلة الرحم، لا بنية المدح.
النية هي الأساس، والله يعلم ما في القلوب.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق