يعتبر التحرك السكاني من مكان لآخر بشكل عام جزءا من تاريخ البشرية لكن الجديد في الأمر هو إمكانية حدوث تحركات ضخمة نتيجة عوامل مثل التصحُّر والجفاف والفيضانات والأعاصير واستنزاف الموارد على نطاق واسع. ولإزدياد الوعي بآثار الاحتباس الحراري وما يخلفه تغير المناخ من آثار مدمرة على مجتمعاتنا، انتشرت التحذيرات بشأن معدلات النزوح المتزايدة سواء كان هذا النزوح بشكل دائم أو مؤقت الأمر الذي يتطلب ضرورة التأهب له ووضع الخطط اللازمة للحد منه.
ستتعرف عبر هذا المقال على:
نزوح بأرقام قياسية
ويقول تقرير أصدره مركز رصد النزوح الداخلي 2021 أن الصراعات والكوارث الطبيعية وتداعيات ظاهرة التغير المناخي في عام 2020 أدت إلى ارتفاع أعداد النازحين حيث وصل إلى أكثر من 40 مليون شخص حول العالم، نحو 30.7 مليون منهم نزحوا عن ديارهم خلال العام الماضي ، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وحدوث تغييرات مناخية ضخمة.
ويضيف التقرير أن أكثر من 9.8 مليون شخص أُرغموا على الفرار والنزوح بسبب الحروب والصراعات والعنف فيما أدى الطقس السيء إلى ارتفاع عدد حالات النزوح الداخلي الجديدة في عام 2020 إلى 40.5 مليون شخص.
وأضاف المركز أن التقديرات تشير إلى أن 55 مليون شخص شردوا داخل بلدانهم في نهاية العام وهو ما يعد رقما قياسيا إذ إنه يعادل ضعف عدد اللاجئين في العالم.
يأتي ذلك وسط تحذيرات من أن تزايد ضراوة الطقس السيء بمعدل غير طبيعي سيؤدي إلى تفاقم أزمة المناخ مع استمرار البشر في حرق الوقود الأحفوري.
ومن المتوقع أن ينزح الكثيرون من منازلهم بسبب الكوارث الطبيعية المفاجئة مثل الفيضانات والعواصف والجفاف، إذ يتوقع أن يدمر الجفاف المزيد من المحاصيل ما سيؤدي إلى حدوث مجاعات.
الكوارث البيئية
وقد كشف التقرير السنوي الذي أصدره مركز مراقبة النزوح الداخلي في نسخته السادسة عن أن أكثر من 80 في المائة ممن أُرغموا على النزوح من منازلهم عام 2020 كانوا في آسيا وأفريقيا.
وفي آسيا، اضطر معظم الناس إلى الفرار بسبب الطقس السيء، ففي الصين والهند وبنغلاديش وفيتنام والفلبين وإندونيسيا حيث يعيش مئات الملايين في مناطق السواحل ومناطق الدلتا المنخفضة، أدى النمو السكاني والتوسع الحضري إلى جعل الكثير من البشر عرضة للفيضانات التي تزايدت قوتها مع ارتفاع مستويات مياه البحار.
وفي الهند، دفع أعنف أعصار تشهده البلاد خلال عقدين ووصل اليابسة، السلطات إلى إجلاء 200 ألف شخص في ولاية غوجارات. ورغم أن التحذيرات المناخية ساعدت في إنقاذ أرواح الكثيرين إلا أن هؤلاء النازخين قد خسروا منازلهم ولم يعد يملكون أماكن للعيش إذا عادوا إلى بلداتهم.
وفي أفريقيا، أدت المواسم الممطرة غير المعتادة إلى فيضانات وخسائر ضخمة في المحاصيل الزراعية حيث أرغمت الكثير من النازحين على النزوح مرة أخرى والبحث عن أماكن آمنة خاصة في دول مثل الصومال والسودان وجنوب السودان والنيجر. أما في أفريقيا جنوب الصحراء ، فقد أدت الكوارث البيئية العام الماضي إلى نزوح 4.3 مليون شخص نصفهم على الأقل لا يزال بلا مأوى .
الهجرة والمناخ
يقول الباحثون في موضوع الهجرة بسبب المناخ، إن العلاقة بين التغير المناخي والهجرة لا تزال غير مفهومة بشكل جيد ومبالغا فيها أحيانا ، فيما كشف تقرير نشره مركز تحليل السياسات الاقتصادية بجامعة بوتسدام الألمانية عن أن الكوارث التي تقع على فترات زمنية طويلة مثل موجات الحرارة العالية والجفاف سوف تؤدي إلى زيادة معدلات الهجرة والنزوح أكثر من الكوارث التي تحدث بشكل مفاجئ مثل الفيضانات والأعاصير.
ودعا الباحثون حكومات العالم إلى العمل على خفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بشكل سريع والتكيف مع تداعيات ظاهرة التغير المناخي والاستمرار في دعم المجتمعات النازحة بمجرد زوال الخطر المباشر.
المقال منشور في العدد 26 من مجلة غراس
يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة