كيف يشجعنا رمضان على الاقتراب من الآخرين؟

2022-04-04

رمضان.. يحلُ علينا ضيفاً عزيزًا وزائرًا عظيمًا نستقبله كل عام، فيه تتجلى قيّم المسلم وتتحسن خصاله الروحانية والنفسية، لتجده في أبهى صوره لاستقبال هذا الشهر. فماهية علاقة المسلم بالصيام من جوانب نفسية واجتماعية وإيمانية؟ وكيف يشجعنا رمضان على الاقتراب من الآخرين؟ وكيف يساعد هذا الأمر في زيادة إيمان المسلم واستشعاره للأجر خلال الشهر الفضيل؟ وماهي أفضل الطرق التي يتم بها هذا التقرب لمعرفة احتياجات الآخرين، لنتقرب إلى الله بالأعمال الخيرية والإنسانية التي ينبغي على المسلم الفطن أن يستغلها خصوصًا في هذا الشهر الفضيل؟



لو تتبعنا أسرار الصيام وآثاره الجمة لوجدناها كثيرة وتتسع لها مجلدات منها: آثارً عبادية، ونفسية، وصحية واجتماعية، وأخلاقية. لكننا سنقصر الحديث على جانبين هما الجوانب النفسية والاجتماعية. ولعل الآثار النفسية لرمضان تتمثل في كونه مدرسة إيمانية وعملية تعلمنا الالتزام. فخلاله يُزكي الصيام النفس لتتقوى الصلة بين العبد وربه، وتُصفى فيه الروح ليصبح الشخص نافعًا وطَيِّعًا وخَّيرا. ويتهيأ فيه الجسد لتقوى رب السموات وترك الشهوات. ولهذا جُعل الصوم في هذا الشهر الكريم ثوابُه عظيم، وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن ربه أن (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) (رواه البخاري ومسلم).

إشاعة روح العطاء والشعور بالآخرين

ومن الآثار الاجتماعية للصوم، إن قيمة المسلم تزداد خاصًة عند مشاركته في الأعمال التي تصب في مصلحة بناء المجتمع؛ لذا فإن رمضان هو الوقت الأنسب لذلك، لان الجانب الإيماني الذي يعيشه الصائمون في رمضان من شأنه أن يسهم في توثيق العلاقات بين القلوب ليشيع بينهم روح المحبة والإخاء بين الغني منهم والفقير، ليقود رمضان الموسرين على التحلي بروح البذل والعطاء عندما يتساوون في حاجتهم إلى الطعام، فيكون ذلك الجوع المؤقت مدعاًة لتذكُّر جَوع الفقير ومأساته الدائمة نتيجة الحاجة والحرمان. وبالتالي يتولد عن الصيام كسر شوكة الأنانية لدى نفس المرء لتعويضها بروح التكافل والإيثار، فيسارع إلى التضامن مع المعوزين ويمد يديه إليهم بسخاء لأنه أتيح له خلال الصيام أن يشعر بشعورهم ويعيش بعضًا من معاناتهم.



مدرسة للتآخي والتكافل بين العباد

وتتجسد صور التكافل الاجتماعي في الإسلام في قول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري ومسلم).  وفي هذا الشهر الكريم تبرز صورة طيبة من صور التكافل بين الناس التي تتمثل في جهود الخيرين وعطفهم على الفقراء لتضفي على الحياة طابعًا إسلاميًا وإنسانياً لا يوجد له نظير، ولكي يتحقق فعلياً هذا التكافل بين الأغنياء والفقراء في هذا الشهر ينبغي علينا أن نغرس ثقافة التكافل في نفوس الصغار قبل الكبار ليس في رمضان فقط وإنما على مدار الشهور والأعوام حتى لا تكون هذه الجهود موسمية وفردية بل دائمة ومؤسسية. فالإسلام في جملته يقوم على التكافل الاجتماعي بين المسلمين ويتضمن كل معاني ومناحي الحياة المادية والمعنوية.

رمضان فرصة

لذا ينبغي عليك عزيزي القارئ؛ بأن ترى في شهر رمضان فرصة حقيقية لإعادة النظر في أسلوب عيشك وطريقة تفكيرك، بضرورة التجسيد الحقيقي للمسلم الحق، والالتزام بما أمر الله به من الصيام والقيام وأداء العبادات والتكافل الاجتماعي الذي يتمثل في أبرز صوره من خلال قيامك بالمساهمة في المشاريع الخيرية مثل: بناء المساجد، وبناء ودعم مراكز تحفيظ قراّن والمراكز التعليمية الإسلامية، وتوفير وجبات الإفطار للمعوزين، واستضافة الخيم الرمضانية، وطباعة النسخ القرآنية، والعمل على مشاريع التعليم والصحة والمياه و الآبار وذلك للارتقاء بالخدمات الإنسانية التي تخدم المجتمع وتوفر له كافة متطلبات الحياة الأساسية. 

بالإضافة إلى إسهامك في المشاريع الإنسانية التي تساعد في محاربة الفقر والجهل حول العالم مثل: كفالة بيوت الفقراء ممن لا يجدون مسكنًا ولا مأوى من النازحين والمهجرين الذين فروا من ساحات الحروب والنزاعات عبر إعادة بناء البنى التحتية للمدن المتضررة، وكذا الإسهام في كفالة اليتيم الذي أجره عند الله عظيم لتكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وكفالة طالب العلم الذي بنور علمه تشع الأرض نورًا وتزدهر الأمم علمًا، ولأجل أن نسهم سويا في محاربة الجهل والتخلف بالمناطق التي تنخر فيها الأمية فينبغي علينا دعم المعلم لننشر نور العلم في مختلف الأصقاع، وأيضًا المساهمة في نشر دعوة الإسلام السامية عبر دعم الدعاة حتى نقوم بنشر شريعتنا الإسلامية الوسطى والقيم الإسلامية السمحاء.



لنتعاون على التخفيف من معاناة إخواننا خلال شهر الخير

ولا ننسى أيضًا بأن الأمة في هذا الوقت تواجه الكثير من التحديات والأزمات مثل: الحروب والنزاعات والكوارث التي فقدت بسببها ملايين الناس منازلهم في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي فإن رمضان هو الوقت المناسب لتضع بصمتك ومساهمتك في جُلّ الأعمال الخيرية والإنسانية التي تُعد الركيزة الأساسية في تكافل الأمم والإسهام في حل مشاكلهم وتحدياتهم.

 وندعو الله القدير العزيز بأن يكون هذا الشهر الكريم فاتحة أمل وخير لنهاية المصاعب والتحديات التي تواجه الأمة والبشرية في جميع أنحاء العالم، وشهراً مباركًا لانتصار الخير على الشر ليعم السلام والأمان على المسلمين وعلى الإنسانية جمعاء حتى يتسنى للإنسان في هذه الأرض بأن يعيش بكرامةٍ وسعادةٍ وأمان.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.