رمضان شهر القرآن

2023-03-27

لشهر رمضان والقرآن علاقة وطيدة يشعر بها كل مسلم في قرارة نفسه مع أول يوم من أيامه. فيُقْبِل على كتاب ربه يقرأه بشغف، فيتدبر آياته ويتأمل قصصه وأخباره وأحكامه.



حال السلف في شهر القرآن

كان السلف يخصصون جزءاً كبيراً من أوقاتهم لقراءته، وربما تركوا مدارسة العلم من أجل أن يتفرغوا له، فكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعضهم يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، وكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للإمام الشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الإمام مالك إذا دخل رمضان يترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويُقْبِل على قراءة القرآن من المصحف، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

شهرٌ أنزل فيه القرآن

قال جل وعلا: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (البقرة:185).

والمراد بإنزال القرآن في شهر رمضان إنزاله على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن فيه ابتداء النزول، فعبر عن إنزال أوله باسم جميعه؛ لأن ذلك القدر المنزل مقدر إلحاق تكملته به، كما جاء في كثير من الآيات مثل قوله سبحانه: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك) (الأنعام:92)، وذلك قبل إكمال نزوله، فيشمل كل ما يلحق به من بعد.

قال الحافظ ابن كثير: “وكان ذلك -أي إنزال القرآن- في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر). وقال سبحانه :(إنا أنزلناه في ليلة مباركة) (الدخان:3)، ثم نزل بعده مفرقاً بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وكان جبريل عليه السلام يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيدارسه القرآن كل ليلة في رمضان -كما في “الصحيحين”-، وكان يعارضه القرآن في كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضه جبريل القرآن مرتين.

وفي الصحيحين عن فاطمة -رضي الله عنها- وصلى الله وسلم على أبيها، قالت: أسرَّ إلي -تعني أن أباها حدثها سراً فقال لها- إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب.

ففي هذا الحديث أن المعارضة كانت تتم مرة واحدة في السنة، وفي آخر حياته عارضه به مرتين، وفي حديث آخر أن ذلك كان في رمضان وفي كل ليلة منه. ففي مسند أحمد عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، يلقاه كل ليلة يدارسه القرآن، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة.

وجاء في المبدع في شرح المقنع، في فضل قراءة القرآن في رمضان: وَيُسَنُّ لَهُ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَتْرُكُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ ‌فِي شَهْرِ ‌رَمَضَانَ، وَيُقْبِلُ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقْرَأُ سِتِّينَ ‌خَتْمَةً.



فضل قراءة القرآن في رمضان

إن لتلاوة القرآن فضلها عظيم خصوصا في رمضان الذي يضاعف فيه ثواب الأعمال الصالحة. فقارئ القرآن يحصل بكل حرف على عشر حسنات. قال صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني. ويعظم ثواب التلاوة في شهر رمضان نظرا لعظم مكانته وفضله.

التفضيل بين قراءة القرآن ومذاكرة العلم في شهر رمضان

كان الكثير من السلف يرون أن رمضان شهر خاص بالقرآن. فكانوا يفرون فيه من مجالس العلم والتدريس، ويشتغلون بتلاوة القرآن، مع أن نفع التدريس متعدٍّ، ونفع التلاوة قاصرٌ على النفس في الغالب، ومنهم من كان يترك مجالس الحديث ويشتغل بتعليم القرآن.

يقول الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف: وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، قال ابن عبد الحكم: كان مالكٌ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

ويبقى أن تلاوة القرآن في شهر رمضان عبادة تختلف باختلاف الأشخاص، وكلٌّ أعلم بما يوافق نفسه، لكن لو استوى عند أحدهم الأمران التلاوة وتدارس العلم، فإن الاشتغال بالتلاوة في رمضان أفضل.

فاحرص -أخي الصائم- على تلاوة القرآن في هذا الشهر بتدبر وحضور قلب، واجعل لك ورداً يوميًّا لا تفرط فيه، ولو رتبت لنفسك قراءة جزأين أو ثلاثة بعد كل صلاة لحصَّلت خيراً عظيماً، ولا تنس أن تجعل لبيتك وأهلك وأولادك نصيباً من ذلك.

المصدر: موقع إسلام ويب (بتصرف).

مواضيع ذات صلة

تعليقات

  • Abubakar Salihu Bajoga Nigeria

    جزاكم الله خيرا.
    قد قرأت ما تيسر من كتاباتكم، واستفدت كثيرا، بل حتى بلغت إلى إخوة واخوات.
    ٢. كيف أحصل على مؤلفاتكم الصحفية لا الإلكترونية؟ أعني أريد مساعدتكم من التأليفات القيمة المفيدة لنا الطلاب.

اترك تعليقك