تدفع الحروب المتواصلة في مناطق النزاع مثل قطاع غزة والسودان السكان إلى مزيد من الفقر وتجعلهم يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية ومنها الغذاء، وبسبب ذلك أصبح السودان يعاني من أكبر أزمة جوع في العالم..فكيف ينظر برنامج الأغذية العالمي كمنظمة أممية معنية لهذه المخاطر؟ وكيف يعمل على تذليل الصعوبات التي تحول وصول المساعدات الضرورية ووضع استراتيجيات مبتكرة للتغلب على هذا الوضع؟ وما هي رؤيته المستقبلية لإمكانية توفير حلول مستدامة لمخاطر الوضع الغذائي في مناطق النزاعات؟ ..طرحت “غراس” هذه التساؤلات وغيرها على السيد ستيفن أندرسون ممثل برنامج الأغذية العالمي لدى دول مجلس التعاون الخليجي، فكان هذا الحوار الذي تضمن إجابات ثرية للمهتمين بالعمل الإنساني:
أقسام الحوار
- كيف تقيمون مخاطر الوضع الإنساني في غزة والسودان من منظور برنامج الأغذية العالمي؟
- ماهي تأثيرات الحرب المتواصلة في قطاع غزة والسودان على الأمن الغذائي والأوضاع الصحية والمعيشية للسكان؟
- ماهي أكبر التحديات التي تواجه المنظمات الإنسانية ومنها برنامج الأغذية العالمي في تقديم المساعدات الغذائية في كل من غزة والسودان؟
- ما الذي يمكن أن تفعله المنظمات الأممية ومنها برنامج الأغذية العالمي والمنظمات الدولية للتغلب على التحديات المرتبطة بتقديم المساعدات؟
- كيف تتعاونون مع المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية في توزيع المساعدات بفعالية في هذه المناطق؟
- ماهي رؤيتكم للمستقبل فيما يتعلق بالوضع الغذائي والإنساني في غزة والسودان؟ وهل ترون إمكانية تحقيق حلول مستدامة؟
- هل هناك تنسيق وتعاون بين قطر الخيرية وبرنامج الأغذية العالمي في تقديم المساعدات في غزة والسودان أو في مناطق الأزمات ماهي؟ وما تقييمكم لهذا التعاون؟
آثار كارثية
كيف تقيمون مخاطر الوضع الإنساني في غزة والسودان من منظور برنامج الأغذية العالمي؟
لا تزال الأزمات الإنسانية في كل من قطاع غزة والسودان مؤلمة للغاية، وتتسبب في آثار كارثية على حياة الملايين من الناس مع استمرار النزاع فيهما. ففي غزة، وضع الدمار الواسع للبنية التحتية، مع استمرار العنف، كثيرا من الأسر في حالة احتياج شديد إلى الضروريات الأساسية مثل الطعام والمياه النظيفة والرعاية الصحية. وقد تسببت القيود المستمرة على الوصول والأعمال العدائية المتواصلة في تدمير سبل العيش، مما دفع المزيد من الناس إلى الفقر وجعلهم يعتمدون بشكل كبير على المساعدات الإنسانية. وتعتبر الحالة أكثر خطورة بالنسبة للفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وكبار السن الذين يتضررون بشكل غير متناسب.
وفي السودان، أدى النزاع إلى تشريد أعداد هائلة من الناس، وخاصة في مناطق مثل دارفور والخرطوم. وأصبح السودان الآن أكبر أزمة جوع في العالم، حيث حدثت المجاعة بالفعل في أجزاء من شمال دارفور. وقد تأثرت الخدمات الصحية بشكل كبير، حيث تضررت المرافق الصحية أو تواجه نقصًا حادًا في الأدوية والمستلزمات الأساسية. ينقذ برنامج الأغذية العالمي آلاف الأرواح يوميًا في السودان، حيث يتغلب على التحديات لتقديم المساعدة الغذائية والتغذوية الضرورية في واحدة من أخطر مناطق الحرب في العالم. لقد ساعد برنامج الأغذية العالمي حوالي 5.4 مليون شخص هذا العام، لكن هناك حاجة إلى المزيد من المساعدات بشكل كبير لإيقاف المجاعة ومنع انتشارها.
ماهي تأثيرات الحرب المتواصلة في قطاع غزة والسودان على الأمن الغذائي والأوضاع الصحية والمعيشية للسكان؟
تركت النزاعات في غزة والسودان آثارا عميقة ودائمة على الأمن الغذائي والرعاية الصحية والظروف المعيشية العامة. في كلتا المنطقتين، وأدى تدمير البنية التحتية، والنزوح الجماعي، وانهيار الاقتصاديات المحلية إلى صعوبة متزايدة في حصول الأسر على الغذاء.
ونتيجة لذلك؛ يواجه الكثير من الناس نقصًا في الغذاء وارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، وتراجعًا في الدخل. بالإضافة إلى ذلك، تتعرض أنظمة الرعاية الصحية لضغوط شديدة، حيث تضررت المرافق الطبية واستنفدت الموارد إلى أقصى حد، مما أدى إلى تدهور كبير في الصحة العامة. وكل هذا ساهم في تردي مستوى حياة المتضررين، ودفع بالكثير منهم إلى مزيد من الفقر والهشاشة.
الاستفادة من التكنولوجيا
ماهي أكبر التحديات التي تواجه المنظمات الإنسانية ومنها برنامج الأغذية العالمي في تقديم المساعدات الغذائية في كل من غزة والسودان؟
تواجه المنظمات الإنسانية مثل برنامج الأغذية العالمي مجموعة من التحديات عند تقديم المساعدات الغذائية وغيرها في مناطق النزاع مثل غزة والسودان. وتتمثل إحدى القضايا الرئيسية لهذه التحديات بالمخاطر الأمنية، حيث تضع الأعمال العدائية والعنف المستمر العاملين في المجال الإنساني والأشخاص الذين نخدمهم في خطر دائم.
بالإضافة إلى ذلك؛ غالبًا ما تعيق القيود على الوصول، ونقاط التفتيش، والإجراءات البيروقراطية وصول المساعدات إلى السكان المتضررين، مما يجعل من الصعب للغاية تقديم الغذاء والمستلزمات الأساسية الأخرى في الوقت المحدد.
ويعمل برنامج الأغذية العالمي بلا كلل لتقديم المساعدات الحيوية في بيئة تشغيلية مقيدة للغاية. إذ علينا أن نمر عبر الطرق الموحلة التي غمرتها الفيضانات خلال موسم الأمطار المستمر (خاصة في السودان)، مما يتسبب في بعض الحالات في استغراقنا عشرة أضعاف الوقت لتقديم المساعدات. نحن بحاجة إلى ضمان توصيل المساعدات بأمان وسط التهديدات الموجهة للعاملين في مجال نقل وتقديم المساعدات، وإيجاد طرق بديلة لتوصيلها إلى مناطق النزاع النشطة، حيث يصبح مرور شاحنات الإغاثة غير آمن بسبب الغارات الجوية والقصف.
ما الذي يمكن أن تفعله المنظمات الأممية ومنها برنامج الأغذية العالمي والمنظمات الدولية للتغلب على التحديات المرتبطة بتقديم المساعدات؟
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج المنظمات التابعة للأمم المتحدة والهيئات الدولية إلى اتخاذ نهج متعدد الأوجه يتناسب مع السياق المحدد السائد في كل دولة. وسيشمل ذلك التفاوض بشأن ممرات إنسانية آمنة مع الأطراف المتنازعة، والعمل عن كثب مع السلطات المحلية لتأمين وصول المساعدات دون عوائق. وينبغي تكثيف الجهود الدبلوماسية مع الدول الأعضاء الرئيسية، للمساعدة في تخفيف العقبات البيروقراطية وإزالتها. كما يمكن أن تساعد الاستفادة من التكنولوجيا، مع الابتكارات مثل أنظمة المراقبة عن بُعد، والتحويلات النقدية الرقمية، والتسجيلات، في تبسيط الخدمات اللوجستية وتحسين كفاءة توزيع المساعدات.
في ظل الظروف الصعبة، هل اعتمدتم أي استراتيجيات مبتكرة أو حلول لضمان وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين؟
نعم، على الرغم من الظروف الصعبة، قام برنامج الأغذية العالمي بتنفيذ عدة استراتيجيات مبتكرة لضمان وصول المساعدات الغذائية إلى المحتاجين، والتي تم تصميمها وتكييفها لتتناسب مع السياق المحدد الذي يعمل فيه البرنامج. على سبيل المثال، نستخدم التحويلات النقدية الرقمية، التي تمكّن المستفيدين من شراء المواد الغذائية من الأسواق المحلية، مما يمنحهم مزيدًا من الكرامة والمرونة في خياراتهم.
كما يستخدم برنامج الأغذية العالمي تقنيات لوجستية متقدمة، مثل سلسلة الكتل (blockchain) والأنظمة البيومترية، لتحسين الشفافية والكفاءة في توزيع المساعدات. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك، فقد توسع برنامج القسائم الغذائية الخاص ببرنامج الأغذية العالمي في الضفة الغربية ستة أضعاف، واعتبارًا من سبتمبر، نصل إلى ما يقرب من 215,000 فلسطيني متضرر من خلال التحويلات النقدية – مما يوفر رصيدًا نقديًا إضافياً لدعم أنظمة شبكات الأمان الاجتماعي الوطنية ودفعات نقدية لمرة واحدة للسكان المشردين قسريًا بالتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
استفادت 1,400 أسرة من دفعة جديدة من المساعدات النقدية متعددة الأغراض في غزة، حيث تلقت كل أسرة حوالي 266 دولارًا من خلال المحافظ الإلكترونية والتوزيع النقدي. واعتبارًا من 16 سبتمبر، قامت حوالي 80 في المئة من الأسر المستفيدة باسترداد مستحقاتها من خلال خمسة بائعين في وسط غزة، باستخدام كل من المحافظ الإلكترونية والنقد.
كما يدير البرنامج رابط تسجيل ذاتي لتحسين جمع البيانات، وإدارة المستفيدين، وآليات تقديم التعليقات. وقد سهل الرابط 1.2 مليون تسجيل، بما فيه 24,966 تسجيلا بين 8 و14 سبتمبر الماضي. ولم يحصل إلا 30 بالمائة من المسجلين على مساعدات غذائية، مما يسلط الضوء على التحديات المستمرة التي لا يزال برنامج الأغذية العالمي يواجهها في تقديم المساعدات للمحتاجين. وفي بعض الحالات، تُستخدم طرق إمداد بديلة وجسور جوية طارئة للوصول إلى المناطق النائية أو التي يصعب الوصول إليها.
وفي السودان، نعمل على إنشاء شراكات فريدة، مثل دعم المطابخ المجتمعية في الأحياء، لتقديم وجبات ساخنة إلى 175,000 شخص يوميًا.
كيف تتعاونون مع المنظمات الإنسانية والسلطات المحلية في توزيع المساعدات بفعالية في هذه المناطق؟
يعمل برنامج الأغذية العالمي بشكل وثيق مع شبكة من الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية وقادة المجتمع لضمان توزيع المساعدات بشكل فعال. ويشمل هذا التعاون إجراء تقييمات مشتركة للاحتياجات وتقاسم الموارد، مما يساعد على تفادي ازدواجية الجهود.
من خلال الشراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية والجهات الأخرى التي تتمتع بفهم أعمق للمجتمعات، يمكن لبرنامج الأغذية العالمي تقديم المساعدات بشكل أكثر استهدافًا وبحساسية ثقافية أكبر. كما تلعب السلطات المحلية دورًا حاسمًا في تسهيل الوصول إلى مناطق النزاع، مما يضمن وصول المساعدات الغذائية إلى الفئات الأكثر ضعفا.
استعادة الأمن الغذائي
ماهي رؤيتكم للمستقبل فيما يتعلق بالوضع الغذائي والإنساني في غزة والسودان؟ وهل ترون إمكانية تحقيق حلول مستدامة؟
تتضمن رؤية برنامج الأغذية العالمي لمستقبل غزة والسودان استعادة الأمن الغذائي من خلال حلول مستدامة وطويلة الأجل تتجاوز المساعدات الطارئة. بينما تعتبر الإغاثة الفورية ضرورية. هناك أيضًا تركيز على تعزيز الاعتماد على الذات بين السكان المتأثرين، ويشمل ذلك مبادرات تهدف إلى تعزيز الزراعة المحلية، وخلق فرص مدرة للدخل، وتقوية سلاسل الإمدادات.
إن التوصل إلى حلول مستدامة في مناطق النزاع أمر صعب بلا شك، ولكن برنامج الأغذية العالمي لا يزال يأمل في أنه من خلال الدعم الدولي المستمر وجهود بناء السلام واستراتيجيات التنمية الشاملة، يمكن لهذه المناطق أن تتجه نحو مستقبل أكثر استقرارا وأمنا.
هل هناك تنسيق وتعاون بين قطر الخيرية وبرنامج الأغذية العالمي في تقديم المساعدات في غزة والسودان أو في مناطق الأزمات ماهي؟ وما تقييمكم لهذا التعاون؟
يشيد برنامج الأغذية العالمي بالمساهمات القيمة التي قدمتها قطر الخيرية في مواجهة التحديات الإنسانية العالمية. وباعتبارها شريكا مهما لبرنامج الأغذية العالمي، أظهرت قطر الخيرية التزامها الثابت بتحسين حياة المجتمعات الضعيفة. لقد أحدثنا معا تأثيرا حقيقيا في الوصول إلى بعض المجتمعات الأكثر ضعفا، واليوم، نتطلع إلى المزيد من الفرص لتعميق هذه الشراكة في المناطق التي تتوافق فيها أهدافنا ومهامنا. ومن خلال توحيد الجهود، يمكننا تقديم حلول أكثر فعالية ودائمة للأشخاص الذين نخدمهم.