أحكام الصدقة: 10 فتاوى مختارة

2021-04-01

الصدقة وما تمثله من إنفاق في وجوه الخير الكثيرة عبادة يعظم ثوابها، وقد ثبت الترغيب فيها في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) {الحديد:7}، وقال تعالى أيضاً: (وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) {البقرة:272}، كما وعد الله تعالى المنفقين بأن يخلف عليهم ما أنفقوه ابتغاء وجهه تعالى، فقال: و(َمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) {سبأ:39}. ونحن على مقربة من شهر رمضان المبارك، اخترنا لكم 10 فتاوى مختارة من أحكام الصدقة، عسى الله يعيننا وإياكم على تجديد النية والتوفيق على التصدق وشتى صنوف أعمال الخير.



1- حكم التراجع عن الصدقة بعد النية

إذا نوى الشخص الصدقة تطوعا منه، ثم وجه أنه يحتاج إلى المال ويريد الانتفاع ب، فلا حرج في ذلك، سواء احتاج إلى المبلغ أم لا. لأن الصدقة لا تلزم بمجرد النية.

2- هل يجوز التصدق بالبضاعة الراكدة؟

الصدقة بالبضاعة، كالثياب ونحو ذلك، أولى من رميها أو ركنها دون فائدة. بل لا يجوز إتلافها مع إمكانية الانتفاع بها؛ لأنه إسراف وتبذير.

فلا شك أن التصدّق بأفضل ما عند المرء أفضل لأجره عند الله تعالى. لكن الصدقة بغير الأجود ليست محرمة. فلا حرج على المتصدق بالبضاعة الراكدة، بل ويؤجر على صدقته -إن شاء الله تعالى-.

وقد ذكره بعض الفقهاء أن الصدقة بالرديء مكروهة. ولكن الكراهة تنتفي إذا لم يجد المتصدق غير الرديء، أو لم يتقصده للصدقة خصوصًا.

جاء في (تفسير الراغب الأصفهاني): “فأما إنفاق ‌الرديء لمن ليس له غير ذلك، أو لمن لا يقصده خصوصًا، فغير مذموم.”

كما أن من الفقهاء من قال إنه يسن لمن لبس ثوبًا جديدًا، التصدّق بالقديم، وأن التصدّق بالثوب القديم لا يعدّ من التصدق بالرديء.

3- أحكام المفاضلة بين إخراج الصدقة وسداد قرض بفائدة (ربوي)

يجب بداية على من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى. كما أنه إذا كان في إمكان المقترض السداد المبكر مقابل إسقاط ما بقي من الفوائد الربوية، فليبادر إلى ذلك، ولا تقدّم الصدقة عليه. أما إذا كان ذلك غير ممكن، فله أن يتصدق.



4- التردد في الصدقة وحديث النفس بالإمساك وأثره على الأجر

إن ما ينتاب المرء من شعور بالتردد في الصدقة وحديث نفس في شأنها، إنما هو من الشيطان ليحرمه من ثواب الصدقة. وما عليه إلا أن يستعذ بالله تعالى من كيد الشيطان الرجيم، ويجاهد نفسه على الصدقة وغيرها من الطاعات. وليتيقن أن الصدقة لا ينقص أجرها، بل يزيد -إن شاء الله تعالى.

قال ابن كثير في تفسيره: معنى قوله تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر} (البقرة: 268)، أي: يخوفكم الفقر؛ لتُمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله.

وقوله أيضا رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9)، أي: من سلم من الشح؛ فقد أفلح وأنجح.

5- حكم التصدق من مال الزوج

يجوز للزوجة التصدق من راتب زوجها، وإذا وهبها جزء منه المال ثم تصدقت به.

أما الصدقة من مال الزوج بغير علمه؛ فمن العلماء من تركه إلى العرف. فإن كان الزوج يأذن بذلك عرفا؛ فلا حرج، وللزوجة الأجر بما أنفقت، وله الأجر بما اكتسب.

أما إن كان لا يأذن في ذلك عرفا، أو كان المقدار كثيرا؛ فلا يجوز ذلك إلا بإذن منه.

قال ابن قدامة في المغني: (فَصْلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا: الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، كَانَ لَهَا أَجْرُهَا، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ». وَلَمْ يَذْكُرْ إذْنًا.

وَعَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: «ارْضَخِي مَا اسْطَعْتِ، وَلَا تُوعِي، فَيُوعَى عَلَيْك». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.

وَرُوِيَ أَنَّ «امْرَأَةً أَتَتْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إنَّا كَلٌّ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَآبَائِنَا، فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ؟ قَالَ: الرَّطْبُ تَأْكُلِينَهُ، وَتُهْدِينَهُ».

وَلِأَنَّ الْعَادَةَ السَّمَاحُ بِذَلِكَ، وَطِيبُ النَّفْسِ، فَجَرَى مَجْرَى صَرِيحِ الْإِذْنِ، كَمَا أَنَّ تَقْدِيمَ الطَّعَامِ بَيْنَ يَدَيْ الْأَكَلَةِ قَامَ مَقَامَ صَرِيحِ الْإِذْنِ فِي أَكْلِهِ.

وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة: لَا يَجُوزُ؛…. والأول أصح… وَالْإِذْنُ الْعُرْفِيُّ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ الْحَقِيقِيِّ، فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: افْعَلِي هَذَا. فَإِنْ مَنَعَهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا تَتَصَدَّقِي بِشَيْءٍ، وَلَا تَتَبَرَّعِي مِنْ مَالِي بِقَلِيلٍ، وَلَا كَثِيرٍ. لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الصَّرِيحَ نَفْيٌ لِلْإِذْنِ الْعُرفي.) (انتهى قول ابن قدامة)

6- التبرع للمؤسسات الخيرية ونحوها عن طريق رسائل الجوال

لا مانع من التبرع بالمال عن طريق تلك الرسائل إذا لم يظهر لك كذبها. لكن الأولى أن يتحرى المتصدق بتبرعاته عن المحتاجين، أو إن كانت هذه الجهات موثوق بأمانتها ومعرفتها بالمواضع المحتاجة للتبرعات.



7- من تصدق بمبلغ فهل يضاعف الله رزقه في الدنيا عشرة أضعاف ذلك المبلغ؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال). (رواه مسلم). فدل على أن الصدقة لا تنقص المال، بل تزيده.

ولهذه الزيادة أوجه ذكرها العلماء، فمنها: أنه يبارك له فيما بقي من ماله، فينتفع به أكثر مما لو لم يتصدق.

ومنها: أن الله يخلف عليه رزقًا يساوي -أو يزيد- على ما تصدق به.

ومنها: أن ما يذخره الله للعبد من الثواب في الآخرة، لا يقارن به ما بذله من المال اليسير في الدنيا، قال الله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {البقرة:261}.

ولا يتعين أن يكون ذلك الخلف عشرة أضعاف ما أنفق، بل الله أعلم بمقادير ثوابه، وأجره الذي يسوقه للعباد.

ومما يدل على حصول الخلف للمتصدق: ما في الصحيحين عن أَبي هريرة بلفظ: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا.

فعلى المسلم أن يجتهد في الصدقة، والبذل؛ ابتغاء مثوبة الله تعالى، موقنًا أن الله يخلف عليه، غير أن هذا الخلف لا يتعين أن يكون بعشرة أضعاف ما أنفق، كما ذكرنا، فقد يزيد على هذا، وقد ينقص، بحسب ما تقتضيه حكمة الله تعالى.

8- الاشتراك في الصدقة

من أحكام الصدقة جواز الإشتراط فيها بين أكثر من شخص. فلا حرج في ذلك. فالله لا يضيع أجر المحسنين.

9- هل تجوز الاستدانة للصدقة؟

الاقتراض لأجل الحصول على المال بنية تنفيذ مشروع خيري، كبناء مسجد، أو حفر بئر، أو إغاثة ملهوف، ونحو ذلك، لا حرج فيه إذا كان المقترض يعلم من نفسه القدرة على الوفاء، وسداد الدين؛ لئلا يضيع مال غيره.

10- هل يجوز إخراج سلة رمضان بأكثر من نية؟

إخراج سلة ومونة رمضان، بما تحتويه من أغذية ونحوها، لكي توزع على المحتاجين في رمضان عمل حسن جميل. ويمكن إخراجها بأكثر من نية، فينوي بها الصدقة، وتفطير الصائمين وإعانتهم على العبادة في رمضان. وإن كان المتصدق ذا رحم، نوى بها صلة الرحم، وهكذا.


المصدر: فتاوى موقع إسلام ويب (بتصرف).

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.