كيف تختار نوع الصدقة المناسب لك؟

2025-12-24

حين تقرأ قوله تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (آل عمران: 92)، تدرك أن الصدقة ليست مجرد مال يُدفع، بل هي رسالة قلبية، واختيار واعٍ يعبّر عن نيتك الصادقة في القرب من الله. كثيرون يسألون: أي صدقة أختار؟ هل أبدأ بالمحتاجين أم أبحث عن صدقة جارية؟ الجواب يبدأ من داخلك، من أهدافك وقدرتك، ثم يمتد ليصل إلى من هم في أمسّ الحاجة.



قيّم إمكانياتك قبل أن تختار

توقف لحظة وفكّر: الصدقة ليست مالًا فقط، بل هي كل ما تملكه من وقت وجهد ومهارات يمكن أن تُسخّر في خدمة الآخرين. كثيرون يظنون أن العطاء يقتصر على المال، لكن الحقيقة أن أبواب الخير واسعة، وكل إنسان لديه ما يقدمه.

كيف توفق بين الصدقة وحاجاتك الأساسية؟

إذا كان دخلك محدودًا، والمشروع الخيري لا يغطي مصاريفك، وكنت محتاجًا لاستخدام مدخراتك لتغطية نفقاتك اليومية وتعليم أبنائك، فالأولى أن تقتصر على المبلغ المعتاد، أو تزيد زيادة يسيرة مما يفيض عن حاجاتك الأساسية. أما إذا تحسنت أحوالك المادية، فبادر بالمضاعفة، فذلك خير لك في الدنيا والآخرة.

أما إذا كانت لديك سعة مالية، ولا يترتب على زيادة الصدقة ضرر لك أو لأبنائك، فلا حرج في ذلك، بل هو خير وبركة، لأن الصدقة سبب لزيادة المال ونمائه، كما قال الله:
“وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ”.

هل لديك مال فائض؟

إذا كان الله قد وسّع عليك في الرزق، فاجعل جزءًا منه في سبيله. يمكنك تخصيص مبلغ شهري لدعم الأسر المحتاجة، أو المشاركة في مشاريع خيرية مثل حفر الآبار أو بناء مسجد. حتى المساهمة الصغيرة في صندوق صدقة جارية قد تكون سببًا في أجر لا ينقطع.

هل لديك وقت؟

الوقت نعمة عظيمة، ويمكن أن يكون صدقة إذا استُثمر في الخير. خصص ساعة أسبوعيًا لزيارة المرضى، أو لمساعدة كبار السن في قضاء حوائجهم. يمكنك التطوع في حملات خيرية مثل توزيع الطعام أو المشاركة في أنشطة تعليمية للأطفال.

هل لديك مهارة؟

التصدق بالمهارات قد لا يقل عن الصدقة بالمال. إذا كنت معلّمًا، فدرّس المحتاجين مجانًا. إذا كنت طبيبًا، فقدم استشارات أو علاجًا لمن لا يملك تكلفة العلاج. حتى أصحاب الحرف يمكنهم إصلاح منازل الأسر الفقيرة أو تقديم خدمات مجانية.

تذكّر أن النبي ﷺ قال: كل معروف صدقة، فالكلمة الطيبة صدقة، والابتسامة صدقة، والمساعدة العملية صدقة. لا تحصر نفسك في المال، بل ابحث عن كل ما تملكه من إمكانيات، واجعلها طريقًا إلى الأجر.



أفضل أنواع الصدقات في ميزان الشرع

راعت الشريعة حال المتصدق وحاجته، فجعلت أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيًا، وأمرته أن يبدأ بمن يعول. قال النبي ﷺ:
“أفضل الصدقة، أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول” (رواه مسلم).
أي أن أفضل الصدقة هي التي لا توقعك في ضيق أو عجز، بل تترك لك ما تعتمد عليه في مصالحك وحاجاتك.

قال الإمام النووي في شرح الحديث:
“أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها، ويستظهر به على مصالحه وحوائجه”.
فلا تجعل حماسك للعطاء سببًا في الإضرار بنفسك أو بأهلك، لأن النفقة عليهم واجبة، والصدقة مستحبة.

1- الأفضل عموماً: الصدقة وأنت صحيح شحيح

حين تكون في كامل صحتك، وتخشى الفقر، وتطمع في الغنى، ثم تختار أن تنفق مما تحب، فهذا هو قمة الإخلاص.

قال النبي ﷺ:

أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا“.

لماذا هذا النوع هو الأفضل؟ لأنه يخرج من قلب صادق، في وقت تكون فيه النفس حريصة على المال، فيكون العطاء حينها أعظم أجرًا. مثال عملي: رجل في بداية حياته العملية، لديه التزامات كثيرة، لكنه يقتطع جزءًا من راتبه كل شهر لدعم أسرة محتاجة، رغم خوفه من ضيق الحال.

2- الأفضل للأجر الدائم: الصدقة الجارية

الصدقة الجارية هي التي يبقى أثرها بعد موتك، ويستمر ثوابها ما دام الناس ينتفعون بها. قال ﷺ”

“إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له“.

ومن أمثلتها: حفر بئر في منطقة فقيرة، بناء مسجد، إنشاء مدرسة، أو تمويل وقف علمي. تخيل أن كل قطرة ماء يشربها إنسان من بئر ساهمت فيه، تُكتب لك بها حسنة حتى بعد رحيلك. في قطر والخليج، تنتشر مشاريع مثل “سقيا الماء” و”بناء المساجد” التي تنفذها جهات موثوقة مثل قطر الخيرية والهلال الأحمر.

3- الأفضل من حيث القرب: الصدقة على الأقارب

الصدقة على الأقارب لها فضل مضاعف، لأنها تجمع بين الإحسان وصلة الرحم. قال النبي ﷺ”

الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة“.

فإذا كان لديك قريب محتاج، فابدأ به قبل غيره، فهذا أدعى للبركة وأعظم للأجر. مثال عملي: مساعدة أخيك في سداد دينه، أو دعم تعليم ابن أختك الذي لا يملك مصاريف الدراسة. هذه الصدقة لا تقتصر على المال، بل يمكن أن تكون في صورة دعم معنوي أو تقديم خدمة يحتاجها.

نصائح لتنال الأجر بإذن الله

1. أخلص النية لله واجعل صدقتك من مال حلال

النية هي روح العمل، وبدونها يصبح العطاء مجرد عادة لا قيمة لها عند الله.

قال النبي ﷺ:

 إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.

قبل أن تخرج صدقتك، اسأل نفسك: هل أفعل هذا طلبًا لرضا الله أم رياءً أمام الناس؟ ثم تأكد أن المال الذي تنفقه طيب وحلال، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا.

مثال عملي: إذا كنت صاحب عمل، فاحرص أن تكون أرباحك خالية من الربا أو الغش، ثم خصص جزءًا منها لدعم مشروع خيري.

2. اختر السرية لتكون أبعد عن الرياء

الصدقة في الخفاء لها فضل عظيم، فهي دليل على الإخلاص، وتقيك من الرياء الذي يحبط العمل. قال ﷺ عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله:

 ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

السرية لا تعني أن تخفي كل عمل، لكن اجعل الأصل في صدقتك الخفاء، إلا إذا كان الإعلان يحقق مصلحة عامة مثل تحفيز الآخرين. مثال عملي: تحويل مبلغ شهري لجمعية خيرية دون أن يعلم أحد، أو وضع صدقة في يد محتاج دون تصوير أو نشر.

3. استمر في العطاء ولا تجعله موسميًا

الأعمال المستمرة أحب إلى الله من الأعمال المنقطعة، حتى لو كانت قليلة. قال ﷺ:

أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل“.

لا تجعل صدقتك مرتبطة بمواسم مثل رمضان فقط، بل اجعلها عادة شهرية أو أسبوعية. يمكنك الاشتراك في برامج التبرع الدوري التي توفرها مؤسسات مثل قطر الخيرية، أو تخصيص جزء ثابت من دخلك لدعم مشروع دائم. مثال عملي: الاشتراك في كفالة يتيم بمبلغ بسيط شهريًا، أو المساهمة في صندوق بناء مسجد بشكل دوري.

4. لا تشعر بالذنب إذا قللت صدقتك

كثيرون يشعرون بتأنيب الضمير إذا لم يتمكنوا من التبرع بمبالغ كبيرة، وهذا غير صحيح ما دمت حريصًا على موافقة الشرع في التوفيق بين الصدقة المستحبة وعدم الإخلال بالحقوق الواجبة. فالله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والنية الصادقة قد تسبق العمل أحيانًا في الأجر.

كيف تبدأ اليوم؟

ابدأ بما تستطيع، ولو بالقليل، فالنبي ﷺ قال:
اتقوا النار ولو بشق تمرة.
يمكنك الاشتراك في برامج التبرع التي توفرها مؤسسات موثوقة مثل قطر الخيرية، لدعم مشاريع الصدقات مثل حفر الآبار وبناء المساجد، وغيرها من أبواب الخير.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق