في عالم العمل الإنساني، تتعرض العديد من المنظمات الكبرى لحملات تشويه واتهامات، خاصة حينما تعمل في مناطق الأزمات والصراعات. وذلك بهدف النيل من سمعتها ومحاولة تسييس عملها، فما هي أبرز هذه الاتهامات؟ وما هي الأساليب والوسائل التي تستخدم في هذا الغرض؟ وكيف واجهتها هذه المنظمات؟ وهل نجحت في كشف زيف هذه الحملات، وتحويل هذه التحديات إلى فرص تنعكس عليها إيجابا؟
جدول المحتويات
يحاول المقال الإجابة على ما سبق من خلال تجربة “قطر الخيرية” التي تعد إحدى النماذج التي خاضت ميادين المواجهة ضد الحملات التي طالتها بمهنية واحترافية، وحققت إنجازا مشرفا في هذا المجال، ليكون دليلا بين يدي من يتعرضون لمثل ذلك خصوصا المنظمات الخيرية العربية والإسلامية عبر العالم.
أهم الاتهامات التي طالت قطر الخيرية
- في الولايات المتحدة: دعاوى قضائية بتمويل جماعات متطرفة في سوريا وفلسطين.
- في عام 2008، أدرجت إسرائيل 36 منظمة، من بينها قطر الخيرية، على قوائم الإرهاب، بتهمة تمويل جماعات إرهابية ومتطرفة.
- في أوروبا، طالت قطر الخيرية ادعاءات بتمويل جماعات سياسية مؤدلجة من خلال دعم بناء مساجد أو مراكز ثقافية.
الأساليب والوسائل المستخدمة ضدها
- إساءة استخدام الإجراءات القانونية والدعاوى القضائية أو ما يعرف بـ Lawfare، لتشويه سمعة المنظمات الإنسانية أو ترهيبها.
- استخدام وسائل الإعلام والمنصات الرقمية كأداة لكيل الاتهامات الكيدية.
- إدراج قطر الخيرية ضمن قوائم الإرهاب لدوافع سياسية.
كيف تعاملت قطر الخيرية مع اتهامات تشويه سمعتها
أ ـ إجراءات ذاتية
تبنت قطر الخيرية هذه الإجراءات منذ مدة طويلة لتحصين نفسها ذاتيا وهي:
1 ـ إجراءات الحوكمة
- أكثر من 60 سياسة و160 إجراء لحماية نزاهة المساعدات.
- استخدام أنظمة رقابة متقدمة مثل Refinitiv World‑Check لفحص الشركاء والمتبرعين والمستفيدين .
- تدقيق مالي مستقل سنويا من مكاتب دولية معترف بها.
- تمويل جميع المشاريع عبر أنظمة مصرفية منظمة.
2ـ الشراكات والعضويات الدولية وتعزيز الشفافية والموثوقية
- الشراكات: تعمل قطر الخيرية بشراكة وثيقة مع وكالات الأمم المتحدة، منها: المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، واليونيسف (UNICEF)، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، والأونروا (UNRWA) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO).
- العضويات والتحالفات: كما أن قطر الخيرية عضو في أبرز الشبكات والتحالفات الدولية:
- 1994: صفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC)2002: عضو استشاري في المنظمة الدولية للهجرة (IOM)2016: عضو في شبكة START Network (تحالف المنظمات الدولية الإنسانية)2019: عضو في تحالف المعايير الإنسانية الأساسية (CHS Alliance)
- 2024: عضو في شبكة BOND (المنصة البريطانية الرائدة للمنظمات التنموية)
- شهادات: كما حصلت الجمعية على شهادات أيزو حديثة في الحوكمة والجودة والامتثال وأمن المعلومات.
من خلال هذه العضويات والشراكات والشهادات، تواصل قطر الخيرية تعزيز الحوكمة والشفافية وجودة البرامج، وتخضع بانتظام لتقييمات مستقلة تشمل الهياكل الإدارية، والنظم المالية، وآليات الامتثال المطلوبة للحفاظ على ثقة الشركاء الدوليين.
ب ـ إجراءات قانونية
- في السنوات الماضية، رُفعت دعاوى مدنية في المحاكم الأمريكية تتهم قطر الخيرية بتمويل جماعات متطرفة في سوريا وفلسطين. جميع هذه القضايا – بما في ذلك:
- Force et al v. Qatar Charity et al, Sotloff et al v. Qatar Charity et al, Przewozman et al v. Qatar Charity et al, and Steinberg et al v. Qatar Charity et al,
- تم رفضها لعدم كفاية الأدلة أو لعدم اختصاص المحاكم بالنظر فيها.
- وفي قضية “سوتلوف” المرفوعة في ولاية فلوريدا، سحب المدّعون دعواهم بعد أن تبيّن أن الأدلة المقدّمة كانت مزوّرة.
- لم تكتف قطر الخيرية بكسب المعركة القضائية وإسقاط جميع الدعاوى القضائية التي رفعت ضدها في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية شهر نوفمبر الماضي 2025 بل باشرت إجراءات قانونية لتحديد هوية المسؤولين عن تزوير الأدلة، حيث سمحت المحاكم الأمريكية ببدء عملية الكشف والتحقيق.
ج ـ الإجراءات الإعلامية: البيانات والتوضيحات والتصريحات
من خلال البيانات أو التوضيحات أو التصريحات الإعلامية التي صدرت عنها رفضت قطر الخيرية الاتهامات التي وجهت إليها رفضا قاطعا مستخدمة الحجج والبراهين والشهادات الموثقة وتصريحات الجهات الدولية ذات العلاقة، وكشفت بها زيف الادعاءات الموجهة إليها ومن أهمها:
1 ـ أصدرت بيانا في شهر نوفمبر الماضي 2025 رحبت فيه بإسقاط جميع الدعاوى القضائية التي رُفعت ضدها في الولايات المتحدة، والتي زعمت أنها دعمت جماعات متطرفة في سوريا وفلسطين، بما فيها تلك التي سحبها المدّعون بعد أن تبين أن الأدلة المقدمة كانت “مفبركة”. وأكدت أن هذه النتائج التزام قطر الخيرية بالنزاهة والشفافية والامتثال الكامل للمعايير الإنسانية والمالية الدولية.
ـ استثمرت هذا الانتصار القانوني لتبرز ـ في البيان ـ القلق على نطاق واسع مما يتعرض له القطاع الإنساني من ظاهرة إساءة استخدام الإجراءات القانونية لتشويه سمعة المنظمات الإنسانية. حيث أصبحت هذه الظاهرة تشكل تهديدا متزايدا، وتؤدي إلى تقويض الثقة، وإضعاف الشراكات، وإعاقة وصول المساعدات إلى المناطق والفئات الأكثر احتياجا.
2 ـ أصدرت قطر الخيرية ورقة “حقائق وتوضيحات” حول الاتهامات الموجهة إليها من دول أو جهات مختلفة نشرتها على موقعها الالكتروني ومنصاتها الرقمية، وأهم ما ورد فيها:
- قطر الخيرية لم تُدرج أبدا كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. بل على العكس، فقد أشاد مسؤولون أمريكيون، بمن فيهم عدة سفراء أمريكيين في الدوحة، بقطر الخيرية بوصفها “نموذجا للمنظمات غير الحكومية التي تُحدث تغييرا في حياة الناس والمجتمعات”، وشريكا فاعلا في إيصال المساعدات الإنسانية. أما الادعاءات التي تستند إلى وثائق مسرّبة أو إلى تقارير إعلامية متحيزة فلا تعبّر عن المواقف الرسمية للولايات المتحدة أو الأمم المتحدة.
- رفضت قطر الخيرية تصنيفها ضمن قائمة الإرهاب في إسرائيل (تضم القائمة 36 منظمة تعمل في قطاع غزة والضفة الغربية) منوهة بأنها تعمل في فلسطين ضمن آلية إعادة إعمار غزة (GRM)، وهي آلية تشرف عليها الأمم المتحدة ووافق عليها كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وكغيرها من الجهات الإنسانية، تواجه قطر الخيرية قيودا بموجب القانون الإسرائيلي، لكنها تواصل عملها وفقا للقانون الإنساني الدولي وبالتعاون الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة. وتُعتبر مشاريعها في غزة منقذة للحياة وأساسية لدعم المدنيين.
- رفضت الادعاءات بأنها تمول حماس أو جماعات مسلحة أخرى مبينة أن قطر الخيرية تعمل في مناطق النزاع مثل غزة، فقط من خلال شركاء قانونيين ومعترف بهم دوليا. وكما هو الحال مع وكالات الأمم المتحدة، قد يتم إيصال المساعدات إلى مناطق تسيطر عليها جماعات مسلحة، وهو أمر مُجاز بموجب الاستثناءات الإنسانية للأمم المتحدة لأن ملايين المدنيين يعيشون في هذه المناطق ويعتمدون على المساعدات.
- على سبيل المثال، قرار مجلس الأمن رقم 2664 (2022) أقرّ استثناء إنسانيا دائما يشمل جميع أنظمة العقوبات، بما يتيح للمنظمات الإنسانية العمل في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الخاضعة للعقوبات لإيصال المساعدات للمدنيين المحتاجين.
- اعتبرت الادعاءات بأنها تمول جماعات سياسية مؤدلجة في أوربا غير صحيحة مبينة أنها لا تمتلك أي انتماء سياسي، وأوضحت أنها قدّمت المنظمة دعما محدودا (أقل من 5% من حجم إنفاقها حينها) لمنظمات قانونية تشمل مساجد ومراكز ثقافية أوروبية في إطار برامج تنمية المجتمع. وقد تم تحويل هذه المنح بشفافية عبر النظام المصرفي إلى جهات قانونية مسجّلة رسميًا، واستخدمت في أغراض مجتمعية مشروعة مثل ترميم المباني أو تشييدها. تمت الموافقة على المنح فقط بعد تقديم طلبات رسمية تخضع للمراجعة والتحقق من الامتثال الكامل للقوانين والأنظمة الأوروبية.
3 ـ الدعوة والتأكيد على حماية حياد العمل الإنساني: وقد ورد ذلك في أكثر من بيان وتوضيح وتصريح صحفي وفق ما يلي:
- التأكيد أن المتضررين الحقيقيين من حملات التشويه هم الأسر التي تنتظر المساعدات خصوصا في مناطق الصراع.
- دعوة الحكومات والمؤسسات المالية لحماية العمل الإنساني من التسييس وضمان وصول المساعدات بناء على الحاجة فقط.
ختاما
تثبت تجربة قطر الخيرية أن مواجهة حملات التشويه تتطلب منظومة متكاملة من الحوكمة الصارمة، والشفافية، والتحرك القانوني، والشراكات الدولية، والتواصل الإعلامي الفعال، وأن حماية حياد العمل الإنساني ليست مجرد شعار، بل ضرورة أخلاقية لضمان وصول المساعدات للفئات المحتاجة.













