في أوقات الأزمات، تتغير الأولويات بشكل جذري؛ فهناك أسر قد تبحث عن لقمة تسد بها جوعها، بينما تحتاج أخرى إلى دواء ينقذ حياة أطفالها. هنا يبرز السؤال الذي يشغل بال الكثيرين من المتبرعين وأفهل الخير: هل الأفضل أن تقدم مالًا أم طعامًا؟ هذا السؤال ليس نظريًا، بل هو واقع يواجهه كل من يريد أن يمد يد العون، سواء كان فردًا أو مؤسسة خيرية.
في الشريعة الإسلامية، كلا الخيارين من أعظم القربات، لكن لكل منهما أثر مختلف بحسب حال المحتاج وظروفه. إدراك هذه الفروق يساعدنا على تقديم المساعدة التي تحقق أكبر نفع وأجر. فكيف نحدد الأفضلية بين صدقة المال والطعام؟
جدول المحتويات
فضل الصدقة وأهميتها في الإسلام
أقرّ الإسلام فضل الصدقة بكل صورها، سواء كانت مالًا أو طعامًا، وجعلها من أعظم القربات التي تقرّب العبد إلى الله. قال الله تعالى:
﴿وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ [سورة البقرة: 273]، مما يدل على أن كل إنفاق في سبيل الله له أجر عظيم.
وجاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ:
(يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه أحمد والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقه الذهبي.
هذه النصوص وغيرها تؤكد أن كلا الخيارين مشروع ومحبّب، لكن الأفضلية تتحدد بحسب حاجة المحتاج وظروفه، وهو ما يعكس مرونة الشريعة في تحقيق المصلحة.
لماذا يطرح الناس هذا السؤال؟
يعود هذا التساؤل إلى طبيعة الاحتياجات الإنسانية التي تختلف من شخص لآخر. في الأزمات، قد تكون الأولوية لإنقاذ الأرواح عبر الطعام، بينما في الظروف العادية، قد يكون المال أكثر مرونة لتغطية احتياجات متنوعة مثل العلاج أو الإيجار أو التعليم. المؤسسات الخيرية مثل قطر الخيرية، تواجه هذا التحدي يوميًا عند تصميم برامج الإغاثة.
التحديات التي تواجه المؤسسات الخيرية في تحديد الأولوية
تواجه المؤسسات الخيرية معضلة حقيقية عند اختيار نوع المساعدة الأنسب، لأن القرار لا يعتمد فقط على رغبة المتبرع، بل على دراسة دقيقة لواقع المستفيدين.
ففي الأزمات الإنسانية، مثل الكوارث الطبيعية أو النزاعات، تكون الحاجة للطعام عاجلة لإنقاذ الأرواح، لكن في حالات أخرى، قد يكون المال أكثر فاعلية لتغطية احتياجات متنوعة مثل العلاج أو الإيجار أو التعليم.
إضافة إلى ذلك، هناك تحديات لوجستية مثل صعوبة تخزين وتوزيع المواد الغذائية في مناطق نائية، مقابل سهولة تحويل الأموال إلكترونيًا.
كما تلعب الثقافة المحلية دورًا مهمًا؛ فبعض المجتمعات تفضل تلقي المال حفاظًا على الخصوصية، بينما ترى أخرى أن الطعام أكثر أمانًا في ظل تقلب الأسعار.
هذه الاعتبارات تجعل المؤسسات مثل قطر الخيرية، تعتمد على تقييمات ميدانية دقيقة قبل إطلاق أي حملة.

متى يكون الطعام أفضل؟
- سد الجوع العاجل: في أوقات المجاعات والكوارث، يكون إطعام الطعام أولى لأنه يلبي الحاجة الأساسية المباشرة. قال الله تعالى: “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ”، أي في مجاعة يكون فيه الطعام عزيزاً، مما يوضح أهمية سد الحاجة الفورية.
- الأجر العظيم: إطعام الطعام من أفضل الأعمال التي حث عليها الإسلام، كما جاء في حديث النبي ﷺ: “أطعموا الطعام، وأفشوا السلام” الذي ذكرناه آنفاً.
- أمثلة واقعية: في حملات الإغاثة التي تنفذها قطر الخيرية بالتعاون مع الهلال الأحمر، يكون توزيع السلال الغذائية هو الخيار الأول في مناطق الكوارث، لأنه يحقق أثرًا مباشرًا في إنقاذ الأرواح.
متى يكون المال أفضل؟
- مرونة الاحتياج: المال يمنح المحتاج حرية التصرف، سواء لشراء دواء، دفع إيجار، أو تغطية تكاليف التعليم، وهو ما لا يوفره الطعام.
- تجنب الحرج: بعض الأسر تفضل المال لتلبية احتياجاتها دون الشعور بالحرج من تلقي الطعام، خاصة في المجتمعات التي تحرص على الخصوصية.
- أمثلة واقعية: برامج كفالة الأسر التي تقدمها المؤسسات الخيرية تعتمد غالبًا على الدعم المالي لتغطية احتياجات متنوعة، مثل العلاج والتعليم، وهو ما تقوم به قطر الخيرية إلى جانب منظمات مثل اليونيسف في برامج التنمية المستدامة.
البعد النفسي والاجتماعي للتصدق
التصدق ليس مجرد تلبية حاجة مادية، بل له أثر نفسي عميق. عندما يحصل المحتاج على المال، يشعر بحرية أكبر في اختيار ما يناسبه، بينما الطعام يمنحه شعورًا بالأمان الفوري في الأزمات.
فكلا الخيارين يحققان قيمة إنسانية عظيمة، لكن فهم هذه الأبعاد يساعدنا في اتخاذ قرار أكثر وعيًا.
أثر الصدقة في التنمية المستدامة
الطعام غالبًا حل عاجل، لكنه لا يغير واقع الفقر على المدى الطويل. والمال، إذا استُخدم في التعليم أو المشاريع الصغيرة، يمكن أن يخلق فرصًا دائمة ويقلل الاعتماد على المساعدات.
لهذا، المؤسسات الخيرية والإنسانية تحاول الموازنة بين الإغاثة العاجلة والمشاريع التنموية لضمان أثر مستدام.
خلاصة القول
الأفضلية ليست مطلقة، بل تتحدد بحسب حال المحتاج. إذا كان جائعًا فالطعام أولى، وإذا كان بحاجة لدواء أو إيجار فالمال أفضل. في كل الأحوال، كلاهما صدقة عظيمة وأجرها كبير إن شاء الله، خاصة إذا كانت في وقت حاجة أو أزمة.
ساهم اليوم في دعم المحتاجين عبر التبرع بما يحقق لهم أكبر نفع، سواء كان مالًا أو طعامًا. يمكنك زيارة لاختيار الطريقة الأنسب للتبرع والمشاركة في حملات الإغاثة التي تنقذ الأرواح وتحقق أثرًا مستدامًا.











