حين يتحدث الناس عن الصدقة، قد ينصرف التفكير إلى الجانب المادي فقط. لكن الحديث النبوي الشريف يفتح أبوابًا واسعة للصدقة، تتجاوز المال لتشمل كل فعل فيه نفع، وكل قول فيه لطف، وكل نية فيها إخلاص.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال ﷺ: (كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة) (رواه البخاري ومسلم).
في هذا المقال، نتناول أنواع الصدقة سنسعى ما في وسعنا لنساعدك على اختيار الأنسب منها بحسب ظروفك، قدراتك، واهتماماتك.
ما أهمية التصدق بالمال في تحقيق التكافل؟
التصدق بالمال يُعد من أكثر أنواع الصدقة تأثيرًا، لأنه يُسدّ به الجوع، ويُعالج به المرض، ويُعلّم به الجاهل، ويُؤوي به المشرد.
قال تعالى:
“مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبّة” – البقرة: 261
ويُفضل التصدق بالمال في الحالات التالية:
- عند وجود حاجة مادية عاجلة (طعام، دواء، سكن)
- في الأزمات والكوارث
- لدعم مشاريع تعليمية أو صحية
- عند القدرة على الإنفاق دون ضرر
ولا يشترط أن يكون كثيرًا، بل القليل مع النية الصادقة يُضاعف الأجر، ويُحدث فرقًا حقيقيًا.
الزكاة من أنواع الصدقات
الزكاة هي الصدقة المفروضة التي تُطهر المال وتزكي النفس، وهي ركن من أركان الإسلام.
قال تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها” – التوبة: 103
تُصرف الزكاة في مصارف محددة، منها:
- الفقراء والمساكين
- العاملين عليها
- المؤلفة قلوبهم
- الغارمين
- في سبيل الله وابن السبيل
إذ تُسهم الزكاة في تقليص الفقر وتحقيق التكافل، وتُعد من أكثر أنواع الصدقة تأثيرًا على مستوى المجتمع.
ما المقصود بالصدقة الجارية؟ ولماذا تُعد استثمارًا في الأجر؟
الصدقة الجارية هي ما يستمر أجره في الحياة وبعدها، ويبقى أثره بعد موت صاحبه.
قال ﷺ: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” – رواه مسلم
أمثلة على الصدقة الجارية:
- بناء مسجد أو مدرسة
- حفر بئر في منطقة محتاجة
- طباعة مصاحف أو كتب علمية
- إنشاء وقف خيري أو دعم منصة تعليمية
الصدقة الجارية تُعد من أعظم أنواع الصدقات، لأنها تضمن استمرار الأجر، وتُحقق أثرًا طويل المدى في حياة الآخرين.
هل يمكن أن تكون أعمال التطوع نوعًا من الصدقة؟
نعم، فالتطوع يُعد من أعظم أنواع الصدقة، خاصة لمن لا يملك المال.
قال ﷺ: “وتعين الرجل في دابّته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقة”
أعمال التطوع تشمل:
- تنظيم حملات خيرية
- تقديم خدمات مهنية مجانًا
- دعم المحتوى التوعوي
- المشاركة في فرق الإغاثة
- المساهمة في التوعية الصحية أو البيئية
فالتطوع يُعزز الانتماء المجتمعي، ويمنح الفرد شعورًا بالرضا، ويُعد صدقة بالجهد والوقت.
وإن رغبت في التطوع، قم بزيارة موقع ازدهار، للتعرف على الفرص المتاحة.
كيف تكون الكلمة الطيبة صدقة؟
الكلمة الطيبة والإحسان إلى الآخرين تُعد من أبسط وأعظم أنواع الصدقة.
قال ﷺ: “تبسمك في وجه أخيك صدقة” – رواه الترمذي
أمثلة على هذا النوع من الصدقة:
- التسبيح، التحميد، التهليل، والتكبير
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- الدعاء، التشجيع، والمواساة
- نشر الخير عبر وسائل التواصل
- الرد بلطف على من أساء
الكلمة الطيبة تُحسن من الصحة النفسية، وتُخفف التوتر، وتُحدث أثرًا إيجابيًا في حياة الآخرين.
كيف تُعد الصدقة تطبيقًا عمليًا لشكر الله على النِعم؟
قد يظن البعض أن شكر النعم يقتصر على اللسان، لكن الحقيقة أن الشكر الحقيقي لا يكتمل إلا بالفعل.
نعم، التلفظ بالحمد والثناء مطلوب شرعًا، لكنه لا يكفي وحده. فالشكر العملي هو ما يُترجم الامتنان إلى سلوك نافع، ويُعد من أعظم أنواع الصدقة.
والنبي ﷺ أراد أن يُظهر كيف أن أعمالًا مثل الإصلاح بين المتخاصمين، والسعي إلى الصلاة، وإماطة الأذى عن الطريق، كلها صور من الشكر العملي، وهي في ذات الوقت صدقات يومية.
فالعدل بين الناس مثلًا، هو شكر على نعمة العقل واللسان، وهو صدقة تُصلح القلوب وتُعيد التوازن للمجتمع.
وحين يُمارس الإنسان هذه الأعمال بنية الشكر، فإنه يُحقق أعلى درجات العبودية، ويُسهم في بناء بيئة متراحمة.
ما هو أجر صدقة السر؟
صدقة السر تُعد من أرقى أنواع الصدقة، لما فيها من إخلاص وتجرد عن الرياء.
قال ﷺ: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه” – متفق عليه
ما يميز صدقة السر:
- تُطهر القلب من حب الظهور
- تُضاعف الأجر بإذن الله
- تُحفظ من الحسد والرياء
- تُقرب العبد من ربه في خلوته
التصدق بالقليل قد يكون أعظم أجراً
فالتصدق لا يُشترط أن يكون من الكثير، بل حتى القليل يُعد صدقة عظيمة إذا خرج من قلب صادق.
قال ﷺ: “اتقوا النار ولو بشق تمرة” – رواه البخاري
أمثلة على التصدق من القليل:
- مشاركة وجبة بسيطة مع محتاج
- التبرع بجزء يسير من الراتب
- تقديم كوب ماء أو قطعة خبز
- دعم مشروع خيري بمبلغ رمزي
والقليل مع النية يُصبح كثيرًا في ميزان الله، ولا يُحتقر أي عمل مهما صغر.
التصدق بما يُحب الإنسان
التصدق بما تحب وتحتاج المرء يُعد من أعلى درجات الإحسان.
قال تعالى: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون” – آل عمران: 92
مظاهر هذا النوع من الصدقة:
- التبرع بملابس جديدة لا مستعملة
- إخراج مال كنت تدخره لهدف شخصي
- التصدق بأشياء عزيزة على النفس
- تقديم وقتك وجهدك في وقت ضيق
هذا النوع يُظهر صدق العبودية، ويُعبر عن حب الخير، ويُضاعف الأجر لأنه يُجاهد النفس.
كيف تختار نوع الصدقة الأنسب لك؟
اختيار نوع الصدقة يعتمد على عدة عوامل:
- قدرتك المالية: الزكاة والصدقة الجارية
- وقتك ومهاراتك: التطوع والمساهمة المجتمعية
- طبيعة علاقاتك اليومية: الكلمة الطيبة والإحسان
- رغبتك في الأجر المستمر: الوقف والصدقة الجارية
هل هناك مفاضلة بين أنواع الصدقة؟
نعم، لكن المفاضلة ليست مطلقة، بل تتعلق بثلاثة عوامل رئيسية:
- حال المتصدق: من يملك المال قد يكون أولى بالزكاة والصدقة الجارية، ومن لا يملك إلا الوقت والمهارة فصدقة التطوع أنسب له.
- حاجة المتصدق عليه: إن كان المحتاج بحاجة ماسة للطعام أو الدواء، فالصدقة المالية أولى، وإن كان بحاجة للدعم النفسي أو الإصلاح، فالكلمة الطيبة والإحسان أبلغ.
- أثر الصدقة واستمراريتها: الصدقة الجارية تضمن دوام الأجر، بينما صدقة السر تُعزز الإخلاص، والتصدق بما تحب يُظهر صدق العبودية.
لذلك، لا توجد صدقة أفضل دائمًا، بل الأفضل هو ما يحقق النفع الأكبر في الوقت والمكان المناسب، ويُخرج من قلب صادق.
وتتيح مؤسسات مثل قطر الخيرية خيارات متنوعة تساعد المتبرع على اختيار الصدقة الأنسب، سواء عبر التبرع المالي، أو التطوع، أو الوقف، أو دعم المحتوى التوعوي.
ختاماً
الصدقة هي فرصة يومية لكل إنسان.
بادر واختر نوع الصدقة الذي يناسبك، وابدأ من اليوم.
شارك هذا المقال مع من تحب، وكن سببًا في نشر الخير.
الخير لا يُقاس بحجمه، بل بنيّته. فلتكن نيتك صادقة، وصدقتك مستمرة.