كيف أنقذت أيادي الخير حياة الطفل جاد؟

نسرين الغنجاوي حضرة
2025-10-08

عاد الأمل من جديد لقلب أسرة مغربية كانت على وشك فقدان طفلها الثاني بسبب مرض وراثي نادر. لم يكن أمامهم سوى باب واحد يطرقونه، باب الأمل. فاستجابت له الأيادي البيضاء بحمد الله، وتحولت المأساة إلى قصة إنسانية ملهمة، بطلها طفل صغير اسمه “جاد”.



لم يكن الطفل المغربي “جاد أرجدال” قد تجاوز العام الثاني من عمره حينما طرق والداه باب مكتب قطر الخيرية في الرباط محمّلين بالألم والرجاء، بعد أن فقدا طفلهما الأكبر “أمين” بسبب مرض ضمور العضلات الشوكي، ذلك المرض النادر والمكلف الذي لا يتوفر له علاج داخل المغرب. وهو مرض وراثي يسبب ضعفا في العضلات ويؤثر على الجهاز العصبي للطفل.


ما هو مرض ضمور العضلات الشوكي؟

ضمور العضلات الشوكي (SMA) هو مرض وراثي نادر يسبب ضعفًا تدريجيًا في العضلات ويؤثر على الجهاز العصبي. في حالة الطفل “جاد”، كان المرض نفسه قد أودى بحياة شقيقه الأكبر “أمين”، ما جعل الأسرة تعيش في حالة من الخوف والترقب.


لماذا كان الوقت حاسمًا في حالة جاد؟

  • العلاج الوحيد المتاح لحالة جاد كان دواء “زولجنسما”، وهو من أغلى الأدوية في العالم، وتبلغ تكلفته أكثر من مليوني دولار.
  • يجب إعطاء هذا العلاج قبل أن يبلغ الطفل عامه الثاني، وإلا يفقد فعاليته.
  • لم يكن العلاج متوفرًا داخل المغرب، ولا تملك الأسرة القدرة على تغطية تكاليفه.

كان “جاد” الذي يعاني من نفس مرض أخيه، في صراع مع الزمن، حيث يتطلب علاجه حقنة دوائية اسمها “زولجنسما” – التي تعد من أندر وأغلى الأدوية في العالم، وتبلغ قيمتها أكثر من مليوني دولارـ يجب أن تعطى له قبل بلوغه العام الثاني.

قالت لي والدته، وقد اختلطت الدموع بصوتها: لا نريد أن ندفن “جاد” بعد أن دفنّا “أمين”، قلوبنا لا نحتمل خسارة أخرى. كانت كل دقيقة تمرّ بانتظار الحصول فرصة لتحمل علاجه في الخارج تعني تقلص الأمل بنجاة جاد، وكلّ لحظة تشكل فارقا في إنقاذ حياته.

لكن الأمل لدى الأسرة أشرق من جديد، حين جاء الرد من إدارة المقر الرئيس لقطر الخيرية بالموافقة على التكفل بعلاج حالته في قطر بصورة كاملة بدعم من أهل الخير، ليكون “جاد” أول حالة في المغرب تستفيد من هذا العلاج. وهنا تحولت دموع الحزن إلى دموع فرح، وغمر الارتياح قلبي والديه، وقلوب موظفي قطر الخيرية الذين واكبوا هذه الحالة الإنسانية عن قرب.

تمت الإجراءات بسرعة، وسافرت الأسرة إلى الدوحة في شهر يناير من عام 2023 حيث حصل الطفل جاد على العلاج في مركز سدرة الطبي بقطر، وتكفلت قطر الخيرية بكافة تكاليف سفر وتنقل أسرة جاد، من تذاكر سفر، وإقامة، وعلاج الطفل، والمتابعات اللازمة لذلك. وبفضل الله، نجحت العملية، وبدأت الحياة تدبّ من جديد في جسد الطفل جاد، ثم بقي عدة أشهر بعد العملية في الدوحة لتلقي العلاج الطبيعي إلى أن تحسّن وضعه بشكل ملحوظ.


كيف تدخلت قطر الخيرية ومستشفى سدرة لإنقاذ حياة جاد؟

في لحظة يأس، توجه والدا جاد إلى مكتب قطر الخيرية في الرباط، يحملان بين أيديهما تقارير طبية وأملًا أخيرًا. وبعد دراسة الحالة، جاء الرد من المقر الرئيسي في الدوحة: “سنتكفل بعلاج جاد كاملًا”.

  • تم التنسيق مع مركز سدرة الطبي في قطر لتوفير العلاج.
  • تكفلت قطر الخيرية بجميع التكاليف: السفر، الإقامة، العلاج، والمتابعة.
  • أصبح جاد أول طفل في المغرب يحصل على هذا العلاج الجيني النادر.

وعند عودته إلى المغرب، استكمل برنامج العلاج الطبيعي، لتواصل حالته التحسّن بشكل كبير، حتى صار يحرك أطرافه ويلعب، بعد أن كان عاجزا عن الحركة تماما.  بل إن جاد الذي بلغ من العمر 4 سنوات حاليا صار بمقدوره الذهاب إلى الروضة، وتأمل أسرته أن يتابع تعليمه في السنوات القادمة بشكل طبيعي.

وتحظى حالة “جاد” الإنسانية بمتابعة واهتمام من الصحافة المغربية للوقوف على تطور وضعه الصحي. فقد نوه الدكتور المغربي نجيب الكيساني أستاذ أمراض الجهاز العصبي في حوار مع صحيفة ” مراكش الآن”، خلال هذا العام، بأن ” جاد” أول حالة في المغرب استفادت من علاج “زولجنسما” حيث “تم توفيره بفضل دعم مؤسسة إنسانية قطرية قدمت له الدعم للحصول عليه”. مشيرا أن حالة “جاد” الآن مستقرة، وأنه بدأ بالتحسن بفضل العلاج الجيني الذي خضع له، وأضاف أن النتائج الأولية تظهر تحسّنا ملحوظا في قوة العضلات والقدرة على الحركة، ما يعزّز الأمل في تحسن جودة حياة الطفل بشكل كبير. 


ما هو الأثر الإنساني والإعلامي لهذه القصة؟

قصة جاد لم تمر مرور الكرام، بل أصبحت نموذجًا يُحتذى به في العمل الإنساني:

  • تابعت الصحافة المغربية تطورات حالته، وأجرت مقابلات مع الأطباء المشرفين عليه.
  • صرّح الدكتور نجيب الكيساني، أستاذ أمراض الجهاز العصبي، بأن حالة جاد “مستقرة وتشهد تحسنًا ملحوظًا بفضل العلاج الجيني”.
  • والد جاد عبّر عن امتنانه العميق لقطر الخيرية، قائلًا:
    “كلما رأيت جاد يتحرك ويضحك، تذكرت فضل الله، ثم فضل أهل الخير وقطر الخيرية”.

يروي والده، السيد رشيد بتأثر بالغ: “لن أنسى ما حييت ترحيب موظفي قطر الخيرية في الدوحة، وحسن تعاملهم، وابتسامتهم التي خففت عنا وطأة الخوف على طفلنا خصوصا ونحن بعيدون عن بلادنا. والآن كلما نظرت إلى جاد وهو يتحرّك ويضحك، أستشعر عظمة رحمة الله ولطفه بنا، وأتذكّر عطاء أهل الخير ودعم قطر الخيرية الذين كان لهم الفضل، بعد الله، في إعادة الأمل إلى بيتي وأسرتي فجزاهم الله عنا كل خير”.

قصة “جاد” ليست مجرد قصة علاج، بل حكاية إنسانية تجسد معنى التضامن الإنساني، وتثبت أن الأمل ممكن حين تمتد الأيادي البيضاء في لحظة عجز.


هل ترغب أن تكون سببًا في إنقاذ حياة طفل آخر؟

ساهم اليوم في دعم برامج العلاج والرعاية الصحية عبر قطر الخيرية. تبرعك قد يكون الفرق بين الحياة والموت لطفل ينتظر فرصة.

مجلة غراس, العدد 30

المقال منشور في العدد 32 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

نسرين الغنجاوي حضرة
مكتب قطر الخيرية في المغرب
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق