حين يصبح ضوء الشمس مصدر رزق

سامر غيث
2025-10-05

تواجه المجتمعات الريفية والمهمّشة اليوم تحديات متزايدة في مواجهة الفقر والبطالة وضعف البنية التحتية. ومع تصاعد الحاجة إلى حلول تنموية مستدامة، تبرز الطاقة المتجددة، وبالأخص الطاقة الشمسية، كفرصة عملية يمكن تحويلها إلى أداة إنتاج حقيقية. الشمس، التي تشرق يوميًا دون انقطاع، ليست مجرد مصدر ضوء، بل شريك تنموي قادر على تحسين حياة الناس وتمكينهم اقتصاديًا ومعيشيًا.



تبرز مشاريع التي تعتمد بشكل رئيسي على الطاقة المتجددة. من هذا المنطلق تظهر الطاقة الشمسية كفرصة ذهبية يمكن استغلالها بشكل ذكي في تحويلها إلى أداة انتاج حقيقية تساهم في التمكين الاقتصادي والمعيشي. فالشمس، التي تشرق كل صباح دون انقطاع، يمكن أن تصبح شريكًا في تنمية المجتمعات وتحسين حياة الناس.

الطاقة المتجددة كطريق للتمكين والدخل المستدام

لم تعد الطاقة الشمسية مجرد وسيلة بديلة لتوليد الكهرباء، بل باتت اليوم محركًا لمشاريع صغيرة تدر الدخل وتغطي الاحتياجات الأساسية للأسر. فكرة المشروع تبدأ بتوفير نظام طاقة شمسية بسيط، يمكن تركيبه فوق أسطح المنازل أو المزارع الصغيرة أو ورش العمل، ليغذي أجهزة إنتاجية أو إنارة أو تبريد. هذه الكهرباء النظيفة تمكّن رب الأسرة من العمل ليلاً، أو تتيح للأم تشغيل آلة الخياطة، أو تساعد المزارع في ضخ المياه من البئر، أو توفر إنارة آمنة لأطفال يذاكرون دروسهم بعد غروب الشمس. الأثر يتجاوز الفائدة المباشرة، ليخلق بيئة مواتية للعمل والإنتاج والاعتماد على الذات.


كيف تتحول الطاقة الشمسية إلى مصدر دخل للأسرة؟

من خلال تركيب نظام بسيط فوق سطح المنزل أو المزرعة، يمكن:

  • تشغيل أجهزة إنتاجية مثل آلات الخياطة أو مضخات المياه.
  • توفير إنارة آمنة للأطفال للدراسة ليلاً.
  • تمكين أفراد الأسرة من العمل في ساعات المساء.
  • تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية المكلفة.

من ضوء مجاني إلى مصدر دخل مستدام

المميز في هذا النوع من المشاريع هو تكامله مع أهداف التنمية المستدامة التي تحاول الدول المتقدمة الوصول إليه. فقد بدأت العديد من المجتمعات في تقديم الدعم والتسهيلات لشعوبها وذلك لتحفيزها على الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة. فهو لا يحقق فقط الاكتفاء من الكهرباء، بل يفتح أمامها آفاقاً جديدة لتحسين دخلها وكرامتها. تخفيض فاتورة الطاقة يعني توفير موارد إضافية يمكن استثمارها في مجالات أخرى مثل التعليم أو الصحة أو تطوير مشروع صغير. وفي بعض الدول، يمكن بيع الفائض من الكهرباء للشبكة المحلية، مما يحول المشروع من أداة دعم إلى مصدر دخل مباشر. كما أن استخدام الطاقة الشمسية يرسخ ثقافة الحفاظ على البيئة ويوجه المجتمعات نحو نمط حياة صديق للطبيعة.

أثر بيئي واقتصادي مزدوج

إن العمل في هذا المجال يمثل نقلة نوعية من تقديم المساعدة المؤقتة إلى بناء نماذج إنتاجية دائمة وفعالة. فبدلاً من الاعتماد على الدعم المستمر، يتمكن المستفيد من الاستفادة من مورد طبيعي دائم ومتجدد، ليصبح فاعلاً في مجتمعه ومصدر عون لغيره. كما يمكن تصميم هذه المشاريع بما يناسب الواقع المحلي، وباستخدام مواد وتقنيات بسيطة يسهل صيانتها وتشغيلها، مما يعزز فرص استدامتها ويضمن استمرار الأثر لسنوات طويلة.


ما الذي يجعل مشاريع الطاقة الشمية متوافقة مع أهداف التنمية المستدامة؟

الطاقة الشمسية تتكامل مع أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إليها الدول والمنظمات الدولية، مثل:

  • تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء.
  • توفير موارد مالية إضافية يمكن توجيهها للتعليم أو الصحة.
  • إمكانية بيع الفائض من الكهرباء للشبكة المحلية، مما يحول المشروع إلى مصدر دخل مباشر.
  • تعزيز ثقافة الحفاظ على البيئة والانتقال إلى نمط حياة صديق للطبيعة.

هذه الرؤية المستقبلية يمكن تحقيقها حين تتكاتف الخبرات الهندسية والإنسانية والتمويلية لتصميم مشاريع ذكية تستثمر ضوء الشمس في تحقيق التمكين. حيث ان هذا النوع من المشاريع قد دخل فعليا في حياة بعض الشعوب التي بدأت فعليا بالاعتماد على الطاقة المتجددة بسبب الظروف التي تمر بها. من هنا نجد ان المدارس والمراكز المجتمعية والمشاريع النسائية والمزارع الأسرية جميعها يمكن أن تتحول إلى نماذج ناجحة منتجة للطاقة، التي لا توفر النور فقط، بل تضيء الطريق نحو مستقبل أفضل. ولتحقيق ذلك يكفي أن تتوفر الإرادة، وأن تتحول الفكرة إلى تصميم، والتصميم إلى مشروع، والمشروع إلى قصة نجاح تروى للأجيال القادمة.

مشروع دائري مستدام… من بيت إلى بيت

ضمن الأفكار الواعدة التي يمكن تطبيقها على نطاق واسع، تبرز إمكانية تصميم مشروع دائري مستدام يقوم على تزويد عدد من الأسر الفقيرة بمنظومات توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، تغطي احتياجاتهم اليومية من الطاقة، وتنتج في الوقت ذاته فائضًا يمكن الاستفادة منه بشكل ذكي وعملي. تقوم فكرة المشروع على مبدأ الشراكة المجتمعية، حيث يتم الاتفاق مع الأسر المستفيدة على أن الفائض من الكهرباء المنتجة خلال فترة معينة، مثل أول خمس سنوات، يتم توجيهه لتغطية تكاليف توفير نظام مماثل لأسر جديدة. وهكذا تتسع دائرة المستفيدين تدريجيًا، من دون الحاجة إلى تمويل خارجي إضافي في كل مرة.


كيف يحقق المشروع أثرًا بيئيًا واقتصاديًا مزدوجًا؟

التحول من تقديم المساعدات المؤقتة إلى بناء نماذج إنتاجية دائمة هو ما يميز هذه المشاريع. فهي:

  • تعتمد على مورد طبيعي دائم ومتجدد.
  • تُصمم بما يناسب الواقع المحلي باستخدام تقنيات بسيطة.
  • تُشغّل بسهولة وتُصان بتكلفة منخفضة.
  • تُعزز الاستقلالية وتمنح المستفيد دورًا فاعلًا في مجتمعه.

هذا النموذج لا يحقق فقط استفادة مباشرة للأسرة الأولى، بل يُنشئ شبكة إنتاجية متصلة لإنتاج الطاقة، وتمنح غيرها فرصة مماثلة. إنها طريقة ذكية لبناء سلسلة من التمكين تبدأ من نقطة واحدة وتتوسع تلقائيا مع مرور الوقت، مما يضمن استمرارية المشروع على المدى الطويل، ويعزز روح التضامن المجتمعي.

على سبيل المثال، يمكن تزويد عشر أسر في المرحلة الأولى من المشروع في قرية معينة بمنظومات توليد الطاقة الشمسية، مع تنظيم الفائض من الكهرباء لدعم الدفعة التالية من عشر أسر إضافية. خلال عدة سنوات، يمكن أن تغطي هذه الشبكة كامل القرية، بل وتنتقل إلى قرى مجاورة، دون الحاجة إلى تمويل جديد. كل بيت مستفيد يصبح جزءا من الحل، وكل شعاع شمس يتحول الى أمل متجدد.

الشمس موجودة فوق رؤوسنا جميعا، متاحة بلا مقابل، تمدنا كل يوم بمصدر طاقة لا ينفذ. فلنمد أيادينا نحو النور، ونحوّل دفئه الى تنمية، ونوره إلى أمل جديد لعائلات تبحث عن بداية.

مجلة غراس, العدد 30

المقال منشور في العدد 32 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

سامر غيث
مكتب قطر الخيرية في البوسنة
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق