لمن تجوز الصدقة؟ وهل تشمل الأقارب؟

2025-09-07

الصدقة تُعطى لمن يُرجى نفعه وتُعرف حاجته، سواء كان فقيرًا أو غنيًا، قريبًا أو بعيدًا، بشرط ألا تُعينه على معصية. ويُستحب أن تُوجّه لمن يجمع صفات الاستحقاق كالتعفف أو المرض أو طلب العلم. وتبقى الصدقة على الأقارب من أفضل المصارف، لأنها تجمع بين أجر الصدقة وأجر صلة الرحم.



الصدقة عبادة عظيمة ثبت الترغيب فيها. من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:

من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل (رواه البخاري ومسلم).

وسؤال هذا المقال هو: ماهي الأصناف التي تجوز فيها الصدقة؟

ما هي صدقة التطوع؟

يشمل لفظ الصدقة الزكاة الواجبة وصدقة التطوع. والزكاة الواجبة تتعلق بأنواع مخصوصة من المال بشروطها. أما صدقة التطوع فمستحبة وليس بواجبة لكنها عظيمة الثواب ومرغب فيها.

والأفضل في صدقة التطوع أن يتصدق بها المحسن على الأقربين فيقدم الأقرب فالأقرب مع مراعاة أشدهم حاجة.



من هم أفضل من تُعطى لهم الصدقة؟

ذكر الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين” ست صفات تجعل الصدقة أعظم أجرًا:

  1. التقي: لأنه يستعين بها على الطاعة.
  2. طالب العلم: لأن حاجته تُشغله عن التعلم.
  3. الموحّد الشاكر: الذي يرى النعمة من الله، لا من الناس.
  4. المتعفف: الذي لا يسأل الناس، ويُخفي حاجته.
  5. المريض أو المحبوس: الذي لا يستطيع الكسب.
  6. القريب المحتاج: لأن فيها صدقة وصلة رحم.

صدقة السر: طريق الإخلاص ودفع البلاء

قال الله تعالى:
“إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ” (البقرة: 271)
هذه الآية تُبرز أن إخفاء الصدقة أفضل من إعلانها، لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، ويُكفّر السيئات.
وقد روى الترمذي أن النبي ﷺ قال:
“إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء”
وفي رواية أخرى:
“الصدقة خفيا تطفئ غضب الرب” (رواه الطبراني وصححه الألباني)
إخفاء الصدقة يُعزز العلاقة بين العبد وربه، ويُبعده عن طلب المدح والثناء، ويُحصّنه من آفة الرياء التي تُفسد العمل وتُضيّع الأجر.

صدقة العلانية: القدوة وصلة الرحم

  • رغم أن الأصل في صدقة النفل هو الإخفاء، إلا أن هناك حالات يُستحب فيها الإظهار، منها:
  • تشجيع الآخرين: حين يُظهر الإنسان صدقته ليحث غيره على التبرع، خاصة في الحملات العامة.
  • صلة الرحم: حين يُظهر مساعدته لأقاربه ليُشعرهم بالاهتمام، ويُزيل عنهم شعور الإهمال أو التقصير.
  • في حال الأقارب، قد يكون إظهار الصدقة سببًا في تقوية العلاقة، وإزالة الحواجز النفسية، خاصة إذا كان القريب يشعر بالحاجة لكنه لا يطلب المساعدة مباشرة.
  • لكن يجب أن يكون الهدف هو صلة الرحم، لا طلب الشكر أو المدح، وأن تكون النية خالصة لله.


هل الأفضل إخفاء الصدقة أم إعلانها؟ بين الإخلاص وصلة الرحم

فضل الصدقات وأخلصها ما كان خفية، لكن حين يتعلق الأمر بالأقارب، يتردد الإنسان بين خيارين: هل يُخفي صدقته عنهم ليحفظ إخلاصه؟ أم يُظهرها ليُشعرهم بالحب والاهتمام؟

هذا السؤال يطرحه كثيرون ممن يسعون للجمع بين الأجر وصلة الرحم، خاصة حين يشعرون أن إعلان المساعدة قد يُسعد القريب ويُشعره بالاهتمام، بينما الإخفاء قد يُبعد عن الرياء ويُقرب من الإخلاص.

إن الصدقة على الأقربين مرغب فيها بخصوصها، وهي من حيث الأصل أفضل من الصدقة على غيرهم، قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215}.

لكن قد توجد حالات تكون فيها الصدقة على البعيد أولى وأفضل منها على القريب.

إعانة الوالدين

إذا كان هذا القريب أحد الوالدين، فلا شك أن فضل الصدقة يزيد أكثر لما يضاف إليها من معاني البر والإحسان إلى الوالدين المأمور بهما شرعا.

أما إن كانا يكفيان حاجاتهما الأساسية، فإعطائهما من صدقة التطوع للتوسعة عليهما، فهذا فعل حسن جميل.

التصدق على الزوج والأولاد

الإنفاق على الزوج والأولاد على سبيل الصدقة فيه الجمع بين الصدقة والصلة.

ففي الصحيحين عن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما أنها قالت:

يا رسول الله، أيجزئ عنا أن نجعل الصدقة في زوج فقير، وأبناء أخ أيتام في حجورنا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر الصدقة، وأجر الصلة.

كما جاء في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود:

زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ.

كيف توازن بين الإخلاص وصلة الرحم؟

إذا كنت تخشى الرياء، فاجعل صدقتك سرًا.
وإذا كنت تعلم أن إعلانها سيُسعد قريبك ويُشعره بالاهتمام، فاظهرها بنية صلة الرحم، لا بنية المدح.
النية هي الأساس، والله يعلم ما في القلوب.
قال ابن كثير في تفسيره:
“إسرار الصدقة أفضل من إظهارها، لأنه أبعد عن الرياء، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة من اقتداء الناس به”
وقال ابن العربي في “أحكام القرآن”:
“الحال في الصدقة تختلف باختلاف المعطي والمعطى، والناس والشاهدين لها”



صدقة التطوع للأغنياء

تجوز صدقة التطوع على الأغنياء، بل ويثاب صاحبها عليها. وإن كان الأفضل أن يتحرى المتصدق بصدقته أهل الفقر والحاجة. قال النووي ـ رحمه الله ـ تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف. إذ يجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل.

هل تجوز الصدقة على الأيتام؟

نعم، سواء كانوا فقراء أو أغنياء.

فإن كانوا فقراء، فهم أولى بها، وإن كانوا أغنياء، فالتصدق عليهم يُعد إحسانًا ورحمة، خاصة إذا كانوا في كفالة أو فقدوا أحد الوالدين.
وقد ورد في الصحيحين أن زينب امرأة ابن مسعود سألت النبي ﷺ عن التصدق على زوجها وأيتام في حجرها، فقال:
“لك أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة”.


هل تجوز الصدقة على العصاة؟

إذا كان الشخص من العصاة الذين ينفقون المال في الحرام، فلا يجوز إعطاؤه الصدقة، لأنه يُعد تعاونًا على الإثم.
قال تعالى:
“ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة: 2).
لكن إن كان ينفق المال في الأمور المباحة، فلا حرج في التصدق عليه، بل يُستحب أن يُنصح ويُرشد، فقد يكون الإحسان إليه سببًا في هدايته.

خلاصة عملية: كيف تختار الطريقة الأنسب؟

  • إن كنت تتعامل مع قريب يشعر بالحاجة ولا يطلب، فالإظهار قد يُشعره بالحب.
  • إن كنت تخشى الرياء، فالإخفاء أولى.
  • إن كنت تريد تشجيع الآخرين، فالإظهار مفيد.
  • إن كنت تتبرع عبر مؤسسة، فاختر الطريقة التي تحفظ كرامة الجميع.
  • النية هي ما يُحدد الأجر، والله لا يضيع عملًا خالصًا.

كيف توصل صدقتك إلى مستحقيها؟

سواء اخترت التصدق على قريب أو بعيد، غني أو فقير، فالأجر عظيم، والنية هي الأساس.
شارك هذا المقال مع من تحب، أو تبرع عبر المنصات الموثوقة في بلدك، مثل قطر الخيرية، التي تعمل على ضمان وصول الخير إلى من يستحقه.

المصدر: موقع إسلام ويب (بتصرف).

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق