عَالمُ الصمت (قصة قصيرة)

2023-10-10

تأليف: محمد أحمد المراغي

القصة الفائزة بالمركز الأول

مجمع التربية السمعي ـ المرحلة الثانوية

النسخة الرابعة لبرنامج كتّاب المستقبل


تفتّحت عينا نعيم منذ بداية حياته على ابتسامة أمّه الجميلة التي تفيض حبًا لولدها،  كانت أم نعيم تبتسم كلّما التقت عيناها بعين رضيعها الصغير. وقد ظلّت هذه الابتسامة محفورة في وجدان ولدها، فقد رآها مثل سحابة بيضاء تظلّل سماء حياته الهادئة، رغم ما غلَّف تلك الابتسامة من حزن يلمع في عينيها، وعلى النقيض من ذلك؛ كان الأب كلما رأى ابنه ابتسم ابتسامة مصطنعة لا تنمّ عن ارتياح.

ومع مرور الأيام بدأ نعيم يكبر، ويلاحظ شفاه أمه وهي تتحرّك، فكان يقلِّدها، غير أنه كان لا يسمع صوتًا يخرج من فم أمه، ولا منه غير شعوره بهمهمات تصدر من صدره لا يسمعها، ولكنّه يشعر بها.

ابتعادٌ مؤلم

لم يكن نعيم يشعر بالقلق من ذلك فقد ظنَّ في بداية الأمر أن هذه طبيعة الإنسان لا يسمع شيئًا، وكان إذا أراد شيئًا أشار إلى أمه التي كانت تلبِّي له ما يشاء مسرعةً.

ومع مرور الوقت كان نعيم يلاحظ أن علاقته بأمّه تزداد قربًا، وكلّما أشار إلى شيء ابتسمت له وساعدته مسرعةً، أما الأب وإخوته فقد زاد بعدهم عنه كلّما كبر.

وذات يوم بينما كان أبوه يجلس مع أصدقائه في المجلس، قرّر نعيم أن يدخل على الأب وأصدقائه، وينظر ماذا يفعلون؟

وما أن دخل نعيم حتى تغيّر وجه الأب، وظهر الغضب الشديد عليه، وهو يشير بيديه، فهم نعيم أنه قد ارتكب خطأً كبيرًا فهرب مسرعًا إلى الداخل.

ظل نعيم أيامًا كثيرة يفكر بما فعله كي يغضب أباه إلى هذه الدرجة؟ حتى كان يومًا آخر، وكان الأبُ خارجًا لقضاء بعض حاجات البيت، وكان من عادته أن يصطحب أحد أبنائه معه كل مرة، وعند خروجه من الباب جرى نحوه نعيم متمسكًا بلباسه يرجوه أن يصطحبه معه.

أمام دموع الصغير وافق الأب وأخذ ابنه معه، ولكن حدث مثل ما حدث من قبل، فقد أدرك الصبي أن أباه لا يريد أن يراه أصحابه وأقرباؤه معه، فقد قابل الأب صديقًا له معه أبناؤه، فسلم عليهم، وسأل نعيمًا عن عمره، فلم يفهم الصبي حديثه، فغضب الأب بشدّة، ونهره، ودفعه إلى السيارة، وعاد إلى البيت حزينًا.

أدرك نعيم يومها أن أباه يشعر بالخجل منه؛ بسبب عدم قدرته على الكلام فحزن حزنًا شديدًا، وظل في غرفته أيامًا عديدة، ولكنه أدرك بعد فوات تلك الأيام أنه لم يجنِ شيئًا من وراء ذلك.


عالم الصمت (قصة قصيرة) - المؤلف: محمد أحمد المراغي - كتاب المستقبل
عالم الصمت (قصة قصيرة) – المؤلف: محمد أحمد المراغي – كتاب المستقبل

تفوقٌ مستمر

قرر نعيم أن يسلك مسلكًا مختلفًا، لقد قرر أن ينجح في حياته، ويجبر أباه أن يفتخر به.

أحضر نعيم كتابًا لأحد إخوته، ووقف أمام أمه يشير إليه باكيًا، فهمت الأم رغبة الصبيّ وألحقته بالمدرسة، ومع إصرار الصبي وجهد معلّمِيه تطور الصبي بسرعة، وأجاد القراءة والكتابة، وكان أول ما فعله أن كتب في ورقة صغيرة، أحبّك أبي، وعلّقها على جدار غرفته، فلم يرغب أن يمنحها له حتى يجعله يفخر به، وظل نعيم يحرز تقدمًا في مدرسته حتى التحق بكلية الطب.

ابتسامة طال انتظارها

ومع كلّ هذا النجاح لم ير ابتسامة أبيه، إلى أن جاء اليوم الذي مرض الأب فيه مرضًا شديدًا، فذهب به الأبناء إلى المستشفى ليجد الطبيب الذي يعالجه هو نعيم، بكى الأب بكاءً شديدًا، وضَمَّ ابنه إلى صدره سعيدًا فخورًا به رغم مرضه، ضمّ نعيم أباه وأمه إلى صدره وهو يحمد الله كثيرًا على أن رأى ابتسامة أبيه له، ورضاه عنه.


عالم الصمت (قصة قصيرة) - المؤلف: محمد أحمد المراغي - كتاب المستقبل

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.