يطرح انعقاد القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة خلال الفترة من 4 – 6 نوفمبر 2025 موضوع الجهات الفاعلة في التنمية الاجتماعية، ودورها في تحقيق أهداف هذه القمة، ومن ضمن الجهات الرئيسة الجمعيات الخيرية والتنموية.
جدول المحتويات
وتتركز أهداف القمة على تأكيد الالتزام العالمي بالتنمية الاجتماعية ومعالجة الفجوات الناشئة عن ذلك، والتسريع في العمل على: القضاء على الفقر، وتعزيز التوظيف الكامل والعمل اللائق والإدماج الاجتماعي، ومنح زخم جديد لتنفيذ أجندة التنمية المستدامة 2030.
من خلال هذا المقال سنناقش كيفية مساهمة المؤسسات الخيرية في جهود التنمية الاجتماعية والوفاء بالالتزامات العالمية المرتبطة بها، وأهم المقترحات لتعزيز هذه المساهمات.
أولا: مفهوم التنمية الاجتماعية وعلاقته بالعمل الخيري
تشير التنمية الاجتماعية إلى العملية التي تهدف إلى تحسين نوعية الحياة عبر تعزيز العدالة، والمساواة، والمشاركة، والتمكين.
أما العمل الخيري، فهو ممارسة تطوعية تعبّر عن التكافل الاجتماعي والتعاون.
ومن ثم، فإن العلاقة بينهما تكاملية:
- التنمية الاجتماعية تمثل الغاية.
- والمؤسسات الخيرية تمثل الوسيلة العملية لتحقيقها من خلال البرامج والمبادرات الميدانية.
ثانيا: تعاظم دور الجمعيات الخيرية في التنمية الاجتماعية
تُعدّ المؤسسات الخيرية من أهم الفاعلين في ميدان التنمية الاجتماعية الحديثة، إذ تجاوز دورها مفهوم “الإعانة” إلى مفهوم “التمكين”. فبدل أن تقتصر على تقديم المساعدات المباشرة، أصبحت تسعى إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تسهم في بناء الإنسان والمجتمع معا.
وفي ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، يتزايد دور هذه المؤسسات في دعم جهود الحكومات والمجتمع المدني لتقليل الفقر وتعزيز العدالة وترسيخ قيم التضامن والمسؤولية الاجتماعية.
وتشير بيانات الأمم المتحدة (UNDESA, 2025) إلى أن العالم يشهد تحسنا ملموسا في بعض جوانب التنمية، حيث ارتفعت نسبة الوصول إلى الكهرباء إلى 92%، وزاد استخدام الإنترنت بنسبة 70% منذ عام 2015، إلا أن التحديات ما زالت قائمة، فـ 1 من كل 11 شخصا حول العالم يعاني من الجوع، وأكثر من مليار شخص يعيشون في مساكن غير رسمية، مما يؤكد أهمية الدور التكميلي للمؤسسات الخيرية في مواجهة هذه التحديات.
ثالثا: مجالات مساهمة المؤسسات الخيرية في التنمية الاجتماعية
1 ـ تمكين الفئات الهشّة
تُسهم المؤسسات الخيرية في تمكين الفئات الضعيفة من خلال:
- دعم النساء والأسر المحتاجة ومحدودة الدخل وأمهات الأيتام عبر مشاريع التمكين الاقتصادي.
- تدريب الشباب وتأهيلهم لسوق العمل.
- تنفيذ مشروعات تنموية تعزّز الاعتماد على الذات بدل المساعدات المباشرة.
ووفقا لتقرير مركز نظم الاستدامة بجامعة ميشيغان (2025)، ما زال نحو 9% من سكان العالم (حوالي 692 مليون شخص) يعيشون في فقر مدقع، وتتركز 67% من هذه الحالات في إفريقيا جنوب الصحراء، ما يجعل من برامج المؤسسات الخيرية التنموية أداة رئيسية لتقليص فجوة الفقر العالمية.
2 ـ تعزيز التعليم والتدريب
يُعد التعليم حجر الأساس في التنمية الاجتماعية. لذلك تستثمر المؤسسات الخيرية في:
- إنشاء المدارس والمراكز التعليمية بالمناطق النائية.
- دعم برامج محو الأمية والتعليم المهني.
- تقديم المنح الدراسية للطلاب المحتاجين.
- إنشاء دور للأيتام تتضمن أقساما داخلية ومدارس وتتضمن بعضها فرصا للتدريب المهني لهذه الشريحة، وإنشاء مراكز متعددة الخدمات تتضمن مدارس ومرافق خدمية للأيتام والأسر المحتاجة.
وتشير بيانات البنك الدولي (2025) إلى أن الاستثمار في التعليم والتدريب يسهم مباشرة في رفع مؤشرات التنمية الاجتماعية مثل معدل مشاركة الإناث في القوى العاملة، وخفض نسب البطالة بين الشباب، وتحسين مؤشرات الرفاه الأسري.
3 ـ تحسين الرعاية الصحية والاجتماعية
تلعب المؤسسات الخيرية دورا فعالا في دعم الأنظمة الصحية، من خلال:
- تقديم خدمات الرعاية الصحية المجانية أو منخفضة التكلفة.
- إنشاء مراكز علاجية ومستوصفات في المناطق المحتاجة.
- نشر الوعي الصحي ومكافحة الأمراض المزمنة وسوء التغذية.
وتُظهر إحصاءات الأمم المتحدة (2025) أن نحو 1 من كل 11 شخصا في العالم يعاني من نقص الغذاء، وهو ما يجعل المبادرات الصحية والغذائية للمؤسسات الخيرية أداة مباشرة في دعم الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة (القضاء على الجوع).
4 ـ تعزيز القيم الاجتماعية والتماسك المجتمعي
تسهم المؤسسات الخيرية أيضا في غرس القيم الاجتماعية، مثل التكافل والتسامح والمواطنة الإيجابية، عبر:
- نشر ثقافة التطوع والمسؤولية الاجتماعية.
- تنظيم حملات التوعية بالقيم الإنسانية المشتركة.
- إنشاء مراكز لحماية الأطفال المتأثرين بالأزمات، والسكن الاجتماعي للفئات الهشة.
هذه الأنشطة تُسهم في تعزيز رأس المال الاجتماعي الذي تعتبره منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أحد أهم ركائز التنمية الاجتماعية الحديثة.
5 ـ الاستدامة والابتكار الاجتماعي
تتحول كثير من المؤسسات الخيرية اليوم بقوة نحو الاستثمار الاجتماعي المستدام، من خلال:
- استخدام التكنولوجيا والتحول الرقمي في إدارة التبرعات وخدمة المحتاجين
- قياس الأثر الاجتماعي للمبادرات لضمان فعاليتها واستمراريتها.
وهو ما ينسجم مع توجهات الأمم المتحدة نحو بناء تنمية قائمة على الاستدامة والشفافية والابتكار.
رابعا: مقترحات لتعزيز دور المؤسسات الخيرية في التنمية الاجتماعية
- تعزيز الشراكات بين المؤسسات الخيرية والقطاعين العام والخاص.
- تبني نهج التنمية المستدامة في تصميم البرامج والمشاريع.
- تطوير نظم الحوكمة والشفافية في العمل الخيري.
- تشجيع البحث والتقييم لقياس الأثر الاجتماعي الحقيقي.
- تمكين المتطوعين وبناء قدراتهم كمساهمين رئيسيين في التنمية.
خامسا: مشاركات عملية
وكنموذج لتفاعل المؤسسات الخيرية مع القمة لعالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في الدوحة قامت قطر الخيرية بتنظيم جلسة نقاشية رفيعة المستوى بالتعاون مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)على هامش فعاليات القمة، إضافة لجناحها المقام بهذه المناسبة.
وهذه المشاركة تعزز دور قطر الخيرية في جهود التنمية الاجتماعية منذ تأسيسها وتضاف إلى سجلها الحافل بالمشاريع والمبادرات النوعية المتواصلة التي تعزّز الاندماج والتمكين والاستقرار الأسري وحماية الفئات الهشة.












