نساء عظيمات من أرض السودان

أنوار الغيثاني
2022-08-29

سافرتُ منذ سنوات إلى السودان الحبيب في مهمة عمل وجلستُ أُقلّب النظر في وجوه أرامل يملؤها الحزن والهم! وجوهٌ لطيفة وودودة يكسوها التعب والإرهاق بشكل واضح. جلس بعضهن والانكسار قد تمكن من جلساتهن. وبعضهن ابتسمن لي على استحياء! جلستُ أفكر في ماذا وبماذا سأتحدث معهن. وبما أنهن أرملات ولديهن العديد من الأيتام! قررت أن أبدأ معهن بالتعريف بنفسي. “أنا أختكن أنوار الغيثاني من قطر … توفي والدي وأنا صغيرة! وترك لأمي 7 يتيمات! ربتهن وحدها حتى كبرنا فعوضها الله بنا!”.

والله تعالى يقول: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}! … الله يعلم بما عانيتموه، وبذلتموه. يعلم جهدكن واجتهادكن وتضحياتكن لأجل أولادكن … وأريد أن أبشركن أنكن الكافلات الحقيقيات لأولادكن اليتامى. وأنكن أقرب المقربين من خاتم الأنبياء {أنا وكافِلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا وقالَ بإصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى}.

حاجة الأرملة إلى الدعم النفسي

ثم جعلتُ أحدثهن عن أمي التي تشبههن في قصة كفاحها لتربيتنا! وإذ بي أرى وجوههن قد تهللت وعلاها الأمل وبدأن يتبسمن! … قلت لهن ما أجمل أن يقدمكن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا ويوصي بكن. لا يهمكم العالم أجمع طالما أن الله تعالى وليكم ومولاكم. وبدأتُ الحوار معهن بعد أن انتهيت ثم هممت بالخروج إلا أن امرأة منهن أسرعت إليّ وعانقتني عناقا حارا شعرتُ بحرارة دمعها على كتفي! فضممتها طويلا لتهدأ !، وبعدها نظرت إليّ وقالت: أنا أم لتسعة أيتام! أشكرك على دعمك ولا تنسيني من دعائك.. كلامها أراحني ودفعني للتفكير بأهمية دعم المرأة الأرملة التي يقع على عاتقها تربية أبنائها بمفردها وتقديم الدعم النفسي لها وتطوير قدراتها حتى تتمكن من اكمال مسيرتها.. ولا زلت والله كلما ذكرتها دعوت لها ولأولادها التسعة! … الناس لا تريد منك غير أن تشعر بها وتسمع منك ما يخفف عنهم آلامهم وثقل مسؤولياتهم والاستماع إليهم!

مدرسة في عزة النفس

الابتسامة في وجوههن خاصة صدقة يشعرن فيها بمشاعرنا نحوهن. والحديث معهن يوليهن الاهتمام والتقدير والإحساس بأنهن يلعبن دورا عظيما في المجتمع. فلولا الله تعالى ثم دورهن العظيم في تربية أولادهن لربما كان أولادهن عالة على المجتمع سلوكا وبطالة وسوءا! لكن الله أعزّ المجتمع بهن، وحفظه بجهودهن ودورهن.

فالمرأة العاملة المنتجة في حقيقة هذا المصطلح هي التي تعمل لأجل إخراج جيل يحمل وطنه وأمته إلى أعلى المراتب!… وفرق شاسع بين من فرّغت نفسها لتربية أولادها ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم وأمتهم وبين من تركتهم وتركت عقولهم في أيادي من لا يؤتمن علىها!

قالت لي أرملة ترعى ولداً وبنتاً: “قال لي أبنائي لشدة عزة أنفسهم: كوني أنت يا أمي كافلتنا مع كونك أمنا حتى لا يمنّ علينا أحد ولا يكسرنا أحد ولا يهيننا أحد!”… وقد أعجبني هذا المنطق كثيراً! .

كما التقيت في رحلتي هذه بطفلة يتيمة قدّمت لها قطعة حلوى بينما هي ترتدي حذاءها فجعلت تنظر إليّ طويلا ولم تمد يدها لأخذ الحلوى! يا لعزة نفسها! فأصبح من حولي في حرج وقالوا لها خذيها ! فقلت لهم دعوها فقد أعجبتني عزة نفسها.

اسأل الله تعالى أن يقوي كل أرملة على تربية ذريتها تربية صالحة تقر بها عينها في الدارين.

المقال منشور في العدد 27 من مجلة غراس

يمكنك تحميل نسختك الآن أو الإطلاع على مقالات أخرى من المجلة

أنوار الغيثاني
كاتبة قطرية وناشطة في العمل التطوعي
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.