في ظل تنامي الأزمات الإنسانية وتزايد الاحتياجات حول العالم، أصبحت الاستدامة في مشاريع العمل الإنساني والتنموي ضرورة ملحّة لضمان أثر طويل الأمد.
جدول المحتويات
فالسعي نحو حلول مستدامة يعني الانتقال من منطق الإغاثة المؤقتة إلى تمكين المجتمعات وتعزيز قدرتها على الصمود والاعتماد على الذات، وهو ما يطرح تساؤلا مهما عن كيفية تحقيق ذلك.
ما هي دوافع الاستدامة؟
- تزايد الاحتياجات مقابل محدودية التمويل: ملايين الأشخاص يحتاجون للمساعدات سنويا دون زيادة موازية في التمويل. من الأمثلة على ذلك أن 305 مليون شخص تقدّر حاجتهم لمساعدات في 2025 مقابل قدرة على الوصول لحوالي 190 مليون فقط بسبب قصور الدعم (الأمم المتحدة، 2024).
- ضمان أثر طويل الأمد وكسر حلقة الاعتماد: معالجة جذور المشكلات بدل الحلول المؤقتة لمنع عودة الحاجة مرة أخرى. وكمثال على ذلك فإنّ متوسط مدة بقاء اللاجئين في المخيمات تصل إلى 17سنة مما يبرز أهمية الحلول المستدامة عوض الإغاثة قصيرة المدى (بيانات أممية، 2023).
- تعظيم الكفاءة وتجنب هدر الموارد: المشاريع غير المستدامة قد تنهار بعد فترة مما يهدر الاستثمارات. وكمثال على ذلك فإن تقديرات تشير إلى هدر حوالي 360 مليون دولار على مشاريع مياه ريفية في إفريقيا تعطلت لغياب الصيانة والتخطيط المستقبلي (IIED، 2015).
ما المحاور الأساسية لتحقيق الاستدامة؟
- اقتصادي (تمكين سبل العيش): دعم المشاريع الصغيرة والتدريب المهني للأسر بهدف خلق دخل ثابت ومستقل، وكأثر لذلك: ازداد دخل الأسر المشاركة في برامج التمكين الاقتصادي بنسبة 37% في المتوسط بعد عدة سنوات من انتهاء الدعم (تقييم برنامج في بنغلاديش، 2016).
- اجتماعي (بناء الإنسان والمجتمع): الاستثمار في التعليم والصحة والخدمات الأساسية بشكل دائم، مع تمكين الفئات الضعيفة (النساء، الشباب، ذوو الإعاقة) للاندماج في التنمية وكأثر ملموس لذلك: انخفضت وفيات الأطفال عالميا بأكثر من 50% منذ 1990 بفضل تحسين خدمات الصحة والتغذية (اليونيسف).
- بيئي (استدامة بيئية): تصميم المشاريع لتكون صديقة للبيئة وتراعي تغيّر المناخ، مثل استخدام الطاقة الشمسية والزراعات الذكية مناخيا وكمثال على ذلك: محطة طاقة شمسية في مخيم الزعتري بالأردن توفر الكهرباء لـ 80 ألف لاجئ وتوفّر حوالي 5.5 مليون دولار سنويا من تكاليف الوقود (IRENA).
- مالي (استدامة التمويل): تنويع مصادر التمويل للمشاريع عبر الأوقاف والاستثمارات الاجتماعية والشراكات مع القطاع الخاص، مما يضمن تدفقات مالية مستمرة. وكمثال يبرز ذلك: مؤسسة بيل وميليندا غيتس أنشأت وقفا استثماريا بنحو 50 ملياردولار يموّل سنويا برامج صحية وتعليمية حول العالم بشكل مستدام (تقرير سنوي، 2022).
- مؤسسي وشراكات: بناء قدرات المنظمات المحلية والكوادر الوطنية لإدارة المشاريع، مع تعزيز الشراكات بين المنظمات الدولية والمحلية والحكومات.
الاهتمام الدولي بالاستدامة
- أجندة التنمية المستدامة 2030 (SDGs): وضعت الأمم المتحدة عام 2015 سبعة عشر هدفا عالميا للتنمية المستدامة، تشمل القضاء على الفقر والجوع وتحسين الصحة والتعليم والعمل المناخي وغيرها. هذه الأهداف وفّرت خارطة طريق تلزم الجهات العاملة في المجال الإنساني بمواءمة برامجها الإغاثية مع أهداف تنموية طويلة الأجل لضمان استمرارية الأثر بعد انتهاء التدخلات الطارئة (الأمم المتحدة، 2015).
- “الرابط الثلاثي” بين الإغاثة والتنمية والسلام: تتبنى المنظمات الدولية نهجا تكامليا يسمى Triple Nexus يربط العمل الإنساني العاجل ببرامج تنموية وبناء سلام في الوقت نفسه، خاصة في الأزمات الممتدة. والهدف هو معالجة أسباب الأزمات خلال الاستجابة لها، بحيث تضع البرامج الإغاثية الأساس لتعافي وتنمية مستدامة بدل أن تكون حلولا مؤقتة فقط.
- توطين المساعدات والشراكات المحلية: ازداد التركيز الدولي على تمكين المنظمات المحلية في مناطق الأزمات لتولي زمام المبادرة، بدعم من الجهات الدولية. مبادرة Grand Bargain (2016) ” الصفقة الكبرى” شهدت التزام المانحين بإيصال المزيد من التمويل مباشرة للشركاء المحليين (الهدف 25% ) وكذلك بناء قدراتهم. هذه الخطوة تعزّز الاستدامة لأن الجهة المحلية ستبقى متواجدة بعد خروج المنظمات الدولية، مما يضمن استمرار المشاريع بيد أبناء البلد.
كيف اهتمت قطر الخيرية بالاستدامة؟
هناك الكثير من الشواهد التي تؤكد اهتمام قطر الخيرية بتحقيق الاستدامة في توجهاتها واستراتيجياتها ومشاريعها منها على سبيل المثال لا الحصر:
- ـ الإعلان عن تخصيص 30% من تمويلها المباشر لمنظمات المجتمع المدني المحلية في الدول التي تعمل فيها، وحققت بالفعل نسبة وصلت إلى 21% عام 2024، في خطوة تعكس تقدمها في دعم التوطين وتعزيز الشراكات العادلة (كلمة ممثل قطر الخيرية في الاجتماع السنوي للصفقة الكبرى 2025 المنعقد في جنيف في الفترة 8–9 أكتوبر 2025) والإعلان عن تعاون استراتيجي بين مبادرة “معين” وتحالف المعيار الإنساني الأساسي (CHS Alliance) في نفس الاجتماع بهدف تعزيز التوطين والمساءلة في العمل الإنساني والتنموي .
- ـ إعلان مبادرة “معين” التابعة لقطر الخيرية في يوليو / 2025 عن تعهدها ببناء وتقييم قدرات 10 منظمات إنسانية محلية شريكة لها في سوريا، وذلك في إطار جهودها الرامية إلى تمكين الشركاء المحليين وتعزيز كفاءة وفاعلية العمل الإنساني.
- ـ تنفيذ الكثير من المشاريع التنموية التي سجلت قصص نجاح في مجالات التدريب والمشاريع المدرة للدخل، والمشاريع في المجالات الصحية والتعليمية، وتصميم المشاريع لتكون صديقة للبيئة (انظر نماذج لبعض قصص نجاح هذه المشاريع في مدوّنة قطر الخيرية) .
علي الرشيد
إعلامي وكاتب متخصص في الشأن الإنساني والثقافي
يعبر المقال عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قطر الخيرية.