كيف تحدى اليُتم ليتبوأ وظيفة مرموقة

2020-09-29

استطاع الشاب ” فاضل آدموفيتش ” من البوسنة والهرسك وفي زمن قياسي أن يتبوأ مكانة مهنية عالية في مؤسسة مرموقة، رغم أنّ عمره لم يتجاوز بعد 24 عاما، ورغم أنه نشأ يتيما منذ أن كان عمره سنة واحدة، في ظروف صعبة، بعيدا عن مدينته “سريبرينيتسا” التي تعرّضت لإبادة جماعية، راح ضحيتها آلاف الأشخاص، كان من ضمنهم والده رحمه الله.

ولد “فاضل آدموفيتش” عام 1994، وذاق معاناة اليتم في عامه الثاني، بعد أن فقد والده في الأحداث التي واجهتها مدينة ” سريبرينيتسا” عام 1995. اضطرت أمّه إلى أن ترتحل مع ابنها الصغير ووحيدها إلى مدينة سراييفو، طلباً للأمان.

حاولت الأم جاهدةً أن تحيطه بأجواء من الرعاية كيلا يشعر بفقدان والده، مستفيدة من كفالة قطر الخيرية لابنها التي امتدت في الفترة من:(سبتمبر 2005 ـ سبتمبر 2013). حيث أعانتهما على تلبية المتطلبات المعيشية الأساسية، ومكّنت فاضل في ذات الوقت من التركيز في دراسته والتفوق فيها، والقبول في كلية الهندسة الالكترونية التي لا يدخلها إلاّ الطلبة المجدّون.

الرحيل لسراييفو

فاضل خريج كلية الهندسة الكهربائية والالكترونية، يعمل الآن في وظيفتين مهمتين بهيئة “مهرجان سراييفو السينمائيّ SFF” الدوليّ. فهذا المهرجان أضحى أحد أبرز محطات الفن السابع في جنوب شرقي أوروبا منذ انطلاقه في 1995. وإلى جانب ذلك لدى فاضل الكثير من الأنشطة التطوعية، إضافة إلى العديد من الطموحات في المجالات العلميّة والمهنية.

فما هي أهم الأمور التي ساعدت فاضل آدموفيتش على تحقيق نجاحاته، وما أبرز تطلعاته للفترة القادمة؟

بعد أن كبر فاضل وصار شابا، أصبح يقدّر حجم التحديات التي واجهتها والدته. فتربية طفل بدون وجود الأب ودعمه أمر في غاية الصعوبة، خصوصا أنّ: “أمّي كانت شابّة ووحيدة في مدينة غريبة عليها، وعاشت في ظروف استثنائية، وأجواء كان يسودها الخوف آنذاك” كما أخبرنا.

ردّ الجميل

وعطفا على ما سبق؛ فإنّ فاضل يدرك بأنّه لا يستطيع ردّ الجميل لوالدته تضحياتها من أجله. وإن كان سيكرّس عمره للعناية بها، والعيش معها وطلب رضاها. فهو يعتبر ذلك مع الإنجازات التي حقّقها ـ أو سيحقّقها مستقبلا ـ ماهي إلا محاولة لردّ بعض الدَين الذي لها في عنقه.   

ولم ينس فاضل ـ ونحن نسجّل قصة تميّزه ـ أن يشكر قطر الخيرية التي قامت بكفالته (منذ سبتمبر 2005 ـ حتى سبتمبر 2013).

مشيرا إلى أنّ المساعدة الماليّة الشهريّة التي تَواصَل دفعها لوالدته إلى أن أصبح فاضل آدموفيتش شابا كانت بمثابة دخل إضافي ساعدها على تغطية ما تتطلّبه الاحتياجات المعيشية الأساسية لها وله. خاصة ما تعرفه الأسعار من ارتفاع بين سنة وأخرى. حيث أسهمت في توفير جوّ أعانه على التركيز في دراسته، والتفوّق فيها إلى أن تمكّن من دخول كلية الهندسة .

فاضل آدموفيتش : المهندس المتفوِّق

تخرّج فاضل من كلية الهندسة بتفوق عام 2016، وهي الكلية التي لا يدخلها إلا الطلبة المجدّون نظرا لصعوبتها. لينتقل بعدها للعمل في المؤسسة التي تشرف على تنظيم مهرجان سراييفو السينمائي الذي يعقد سنويا في بلاده.

الماجستير

ويعتبر فاضل أنموذجا للطموح والإصرار والمثابرة والإتقان في أموره بحق، فهو إلى جانب عمله يواصل دراسته العليا في الهندسة، وهو يركِّز حاليّا على أمرين: الأول إنهاء مرحلة الماجستير، وتطوير نفسه مهنيا، والآخر: أنّه يبذل قصارى جهده لأن تكون النسخة القادمة من مهرجان السينما أفضل من النسخ التي سبقتها. 

ويخبرنا أن “العمل في مهرجان سراييفو السينمائي تقدير لي ـ بحد ذاته ـ لأنّ ذلك يعني أنّ عملي و جهدي أصبحا معروفين، على اعتبار أنّ المهرجان يحظى بمتابعة كبيرة في البوسنة وأوروبا والعالم، وأنّ هناك من يقيّم كلّ ذلك” .

مهرجان سراييفو السينمائي (SFF)

لمواجهة حصار سراييفو الذي دام عدة سنوات تطلّع مجموعة من الناشطين عام 1994لإحياء الثقافة في مدينتهم المحاصرة، والكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة، جاء تأسيس “مهرجان سراييفو السينمائي” (SFF) .

حيث يعقد سنويا في شهر أغسطس. فهو الثالث عالميا في مجال صناعة السينما، ويعتبر من أكبر الفعاليات الثقافية في أوروبا، ويركّز بصفة خاصة على منطقة جنوب شرقي أوروبا.

وقد بدأ فاضل منذ تخرجه العمل في الهيئة المشرفة على تنظيم  “مهرجان سراييفو السينمائيّ الدوليّ SFF”، ويحتل فيها منصبين مهمين هما: مدير مشاريع لنظم المعلومات بالمهرجان، وإدارة قسم النقل والسكن.

حيث يتولّى مسؤوليتين مرموقتين جدا، الأولى: تقنيّة، على صلة بتخصصه إلى حد ما، وهي مدير مشاريع لنظم المعلومات بالمهرجان. حيث يعمل من خلالها على تطوير النظام المعلوماتي للمهرجان وإدارته لتحقيق الاستفادة المثلى منه.

والأخرى إدارة قسم النقل والسكن لجميع الضيوف في المهرجان، ويستفيد من قدراته وخلفيته الهندسية في ترتيب الالتزامات المتعلقة بهم.

ناشط تطوعي

كما يحتل العمل التطوعي حيّزا مهمّا في حياة المهندس فاضل. فهو منذ ثلاث سنوات عضو نشط في جمعية خيرية طلابية، كما أخبرنا.

ومنذ عام 2016 أصبح عضوا في الهيئة الإدارية لها. وتعمل هذه الجمعية على تقديم مساعدات للأسر المحتاجة في مجالات الغذاء والأثاث والأدوية وغيرها. كما لها أنشطة مع الأطفال تتمثّل في تنظيم لقاءات وفعاليات توعوية ورحلات ترفيهية لهم، وتقدّم الهدايا للمتميّزين منهم. وتعمل حاليا على بلورة أفكار لتطوير عملها  في هذا المجال.

تعلّم فاضل من مدرسة اليتم الكثير، وفي مقدمة ذلك برّ الوالدين، وأهمية تقدير أتعابهما تجاه أولادهم. ويرى أنهما اللذان يتمنّيان لأبنائهما الأفضل والأحسن ويعملان ما بوسعهما لكي يصلوا لذلك.

وينصح فاضل الأطفال عموما بطاعة الوالدين والحرص على التماس رضاهما. كما ينصح الأيتام خصوصا ببرّ الأم التي تأخذ دور الوالدين في غياب الأب. كما يوصيهم كذلك بأن يثقوا بربهم ويتوكّلوا عليه، لأنّ الإيمان القويّ به يساعد على تجاوز كل ظروف وتحديات الحياة.

وينصح فاضل الأيتام خصوصا واليافعين عموما بالثقة بالله وحسن التوكّل عليه، كما يوصيهم لكي يكونوا ناجحين في حياتهم بالجدّ، واختيار ما يحبّون من تخصصات وأعمال، وأن يجتهدوا في إتقانها.

فاضل يعتبر انموذجا للطموح والإصرار والإتقان. فهو إلى جانب عمله يواصل دراسته العليا في الهندسة. مركِّزاً حاليّا على أمرين، الأول: إنهاء مرحلة الماجستير وتطوير نفسه مهنيا.


المقال منشور في الجزء الثاني من كتاب شهد النجاح من قطر الخيرية، حمّل نسختك الآن

مواضيع ذات صلة

تعليقات

اترك أول تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.